المسجد ـ مفهومه وبعض أحكامه في القرآن والحديث
التاريخ: 23-08-2007
المسجد ـ مفهومه وبعض أحكامه في القرآن والحديث 2007-08-23 عباس علي فراهتي المترجم : عباس الاسدي المقدمة : المسجد في اللغة : هو اسم المكان من الفعل « سجد يسجد » بمعنى مكان السجود ومحل العبادة ، وهو مستثنىً من القاعدة المعروفة في اسم الزمان والمكان في الفعل الثلاثي المجرد مضموم العين
المسجد ـ مفهومه وبعض أحكامه في القرآن والحديث
2007-08-23
عباس علي فراهتي
المترجم : عباس الاسدي
المقدمة :
المسجد في اللغة : هو اسم المكان من الفعل « سجد يسجد » بمعنى مكان السجود ومحل العبادة ، وهو مستثنىً من القاعدة المعروفة في اسم الزمان والمكان في الفعل الثلاثي المجرد مضموم العين . وبالطبع فان بعض كبار اللغويين امثال الفرّاء اجازوا فتح العين في المسجد ، بالرغم ان الكلمة لم تستعمل بهذه الصورة حتى الان([1]) . ويقول سيبويه : ان هذه المفردة تُقرأ مفتوحة بالقياس متى ما اُريد الفعل والعمل([2]) .
ولقد وردت في المعاجم وقواميس اللغة تعابير عديدة للمسجد ، تعود جميعها إلى معنى واحد .
يقول الزجاج في تعريف المسجد :« كل موضع يُتعبّد فيه فهو مسجد »([3]) ، ويعرف ابن الاعرابي الكلمة كالتالي : « المسجد بفتح الجيم ، محراب البيوت ومصلى الجماعات »([4]) ، وجاء في مفردات الراغب الاصفهاني : « المسجد موضع الصلاة اعتباراً بالسجود »([5]) .
اذن ، فالمسجد هو اسم مكان مشتق من فعل مصدر ثلاثي مجرد هو
« سجد » ، وقد اطلق على محل العبادة ومكان الصلاة ، ذلك ان السجود هو أهم اركان الصلاة واشرفها ، يقرب المرء إلى ربه اكثر من أفعال الصلاة الاخرى ، ولهذا اتُّخذ اسم المكان من الفعل واطلق على محل العبادة والصلاة([6]) .
وفي الاصطلاح العرفي يعتبر المسجد مكان العبادة الخاص بالمسلمين ، غير ان القرآن الكريم اطلق الكلمة على معابد أهل الكتاب أيضاً :
(قال الّذين غَلَبوا على امرهم لنتّخِذَنَّ عليهم مسجداً)([7]) .
(سبحان الذي اسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا ...)([8]) .
وفي الاصطلاح الشرعي اُطلق المسجد على المكان المحدد الموقوف للصلاة ، إذ جاء في النصوص الفقهية بهذا الشأن :
« المراد بالمسجد المكان الموقوف على كافة المسلمين للصلاة »([9]) .
ومضافاً إلى كلمة المسجد يطلق على هذا المكان احياناً «الجامع» ، وهو في الحقيقة صفة للمسجد الكبير الذي تقام فيه صلاة الجمعة . ويقال ان الخليفة الثاني هو أول من استخدم هذه الكلمة حينما اصدر تعليماته إلى الولاة في الحواضر الاسلامية لبناء المساجد الجامعة التي تقام فيها صلوات الجمعة . وتذكر الروايات التاريخية ان عمر بن الخطاب طلب من عماله على الاراضي المفتوحة والمدن الجديدة بناء مساجد خاصة بصلاة الجمعة ، ومساجد اخرى بين القبائل لاقامة الصلوات اليومية([10]) .
لكن بعض المؤرخين يقولون ان الناس هي التي استخدمت هذا المصطلح بادئ الامر ، واطلقت على المساجد التي تقام فيها صلوات الجمعة اسم المسجد الجامع أو الجامع . ولما توسع نطاق الحكم الاسلامي وازداد عدد المسلمين ، ازداد ايضاً عدد المساجد في البلاد الاسلامية ، كما كثر عدد الالفاظ التي تطلق على اماكن العبادة ، بحيث بات يطلق بمضي الزمان على كلّ مسجد يصلّى فيه المسجد الجامع أو الجامع([11]) .
وقد وردت كلمة المسجد في القرآن الكريم (28) مرة ; (22) منها بصورة مفردة([12]) ، و(6) على صورة الجمع([13]) وتشير هذه الايات إلى أهمية المسجد ومكانته الرفيعة في الاسلام، وبعض احكامه ، والاحكام الخاصة أيضاً بالمسجد الحرام ، كما تشير إلى المسجد الاقصى ومسجد أصحاب الكهف .
وثمة آيات اخرى في كتاب اللّه المجيد تحوم حول المسجد وأهميته ، رغم انها لم تستخدم هذا اللفظ صريحاً ، ولكن مفهومها واجماع المفسرين يؤكد ذلك . واننا في هذا المقال إذ لا يسعنا ان نأتي على جميع هذه الايات تفسيراً وتحليلاً وتبييناً ، نكتفي بذكر الايات التي تبرز اهمية المسجد بمختلف ابعاده في المجتمع الاسلامي ، ونتطرق باختصار إلى تفسيرها وتوضيحها .
المسجد أول بيت للتوحيد :
(إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين)([14]) .
(وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى وعهدنا إلى ابراهيم واسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)([15]) .
يبدو من الايتين اعلاه ان الكعبة في مكة المكرمة هي أول بيت للتوحيد ، وأول مكان مركزي اقيم لعبادة اللّه الواحد الاحد .
وقد اختلف المفسرون في زمان بناء هذا البيت ، فمنهم من قال ان ابراهيم(عليه السلام)هو مؤسس البيت ولم يكن له أي وجود زمن آدم(عليه السلام)([16]) . واعتقد آخرون ان آدم(عليه السلام)هو أول من بنى البيت ، ثم جدد بناءه ابراهيم(عليه السلام)([17]) ، بيد ان القرائن المستلّة من الايات القرآنية والروايات النبوية تؤيد الرأي الثاني ، إذ جاء في القرآن الكريم على لسان ابراهيم(عليه السلام) : (ربّنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتكَ المحرّم ...)([18]) ، حيث يُفهم من الاية الشريفة ان ابراهيم(عليه السلام) لما جاء مع ولده اسماعيل(عليه السلام) وزوجه هاجر إلى مكة كان فيها اثر من الكعبة . وجاء في آية اخرى : (وإذ يرفع ابراهيم القواعد واسماعيل ...)([19]) ; ففي الاية اشارة إلى وجود اسس الكعبة قبل ابراهيم ، وانه وولده(عليهما السلام) رفعا هذه القواعد والاسس .
يقول الامام علي(عليه السلام) بهذا الشأن : « ألا ترون ان اللّه سبحانه اختبر الاولين من لدن آدم الى الاخرين من هذا العالم بأحجار ... فجعلها بيته الحرام ، ثم امر آدم(عليه السلام) وولده أن يُثَنّوا اعطافهم نحوه ...»([20]) .
اذن ، فالكعبة بنيت أول ما بنيت بواسطة آدم(عليه السلام) ثم تصدعت واندرست بمرور الزمان ليجدد بناءَها من بعد ابراهيم(عليه السلام) . ومهما يكن من أمر ، فان هاتين الايتين وغيرهما تؤيد كما تؤيد الروايات ان المسجد هو أول مكان ومركز وضع على الارض لعبادة اللّه الواحد ، ولم يكن قبله أي معبد آخر مخصص للدعاء والعبادة عند الموحدين .
وروى ابو ذر عن الرسول(صلى الله عليه وآله) : « ان بناء المسجد الحرام سبق بناء المسجد الاقصى »([21]) ، وروي عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) في ذيل الاية الاولى حينما سأله رجل : أهو أول بيت ؟ ، فقال : لا قد كان قبله بيوت ، ولكنه أول بيت وضع للناس مباركاً ، فيه الهدى والرحمة والبركة([22]) .
العبادة ، الهدف الرئيسي لبناء المساجد:
(وان المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحداً)([23]) .
المراد بالدعاء في هذه الاية الكريمة العبادة ، فقد ورد الدعاء بمعنى العبادة أيضاً في الاية : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)([24]) .
اما المراد بالمساجد في الاية ، فهناك اختلاف بين المفسرين ; فقال بعض ان المساجد في الاية جميع الاماكن التي يسجد فيها لِلّه ، ومن مصاديقه المسجد الحرام وسائر المساجد([25]) . وقال بعض آخر ان المساجد هي أماكن السجود السبعة ، مستندين على رواية من الامام النقي(عليه السلام) في ان المقصود بالمساجد الاعضاء السبعة للجسم التي توضع على الارض عند السجود([26]) . وقال الميبدي : ان المراد بالمساجد الاماكن التي بنيت للصلاة والذكر . وروي عن قتادة في تفسير هذه الاية ان اليهود والنصارى كانوا يشركون باللّه عند دخولهم معابدهم ، ولهذا قال تعالى للمؤمنين : (وان المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحداً)([27]) .
يستفاد من مجموع آراء المفسرين في هذا المجال ان المراد من المساجد هو الامكنة التي تبنى لعبادة اللّه ، ومن مصاديقها المسجد الحرام وغيره من المساجد ، اما التفسير الذي يشير إلى أنها المواضع السبعة في الانسان التي توضع على الارض عند السجود ، فربما اريد منه التوسعة في مفهوم الاية.
ولاهمية المساجد وفضلها على بقية الاماكن ، فقد نسبها اللّه تبارك وتعالى إليه ، ليميزها عن الامكان الاخرى ، ذلك ان اختصاص المساجد باللّه المنزه عن الصفات الحسية ينطوي على بعد رمزي ، واشارة إلى انها موضع اهتمام خاص من لدنه تعالى . وعليه فان الاعمال التي تُمارس فيها يجب ان تكون مرتبطة باللّه تعالى ، وان لا يطرح فيها أي أمر سوى ما يتعلق بمصالح المسلمين، كما ان النية في تأسيسها ينبغي ان لا تخرج عن هذا الاطار ، اي في سبيل اللّه ، وفي سبيل إعلاء كلمة التوحيد لا غير .
التوحيد والتقوى أساسان لقيام المساجد :
(والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وارصاداً لمن حارب اللّه ورسوله من قبلُ وليحلِفُنَّ إن اردنا الاّ الحسنى واللّه يشهد إنهم لكاذبون * لا تقم فيه أبداً لمسجد أُسس على التقوى من أول يوم أحقُّ أن تقوم فيه فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المُطَّهرين)([28]).
نزلت هاتان الايتان في رهط من المنافقين اقدموا على بناء مسجد في المدينة عرف فيما بعد بمسجد ضرار بتحريك من أبي عامر النصراني لتحقيق اهداف مشؤومة ومخططات شيطانية ، حيث آلمه ظهور الاسلام في المدينة بهذه القوة والقدرة وتأسيس الدولة الاسلامية فيها ، فاتصل بمنافقي الاوس والخزرج من أجل توجيه الضربة للاسلام ، فلما عرف رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بنواياه لاحقه ، إلاّ أنه فرّ من المدينة إلى مكة فالطائف ومن ثمَّ إلى الشام ، ليقود من هناك المنافقين في المدينة ، فكتب اليهم : ان استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح وابنوا لي مسجداً فاني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند الروم فأُخرج محمداً وأصحابه . فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قباء ، فلما فرغوا منه أتوا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول اللّه ! إنّا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، وإنّا نحب ان تأتينا ، فتصلي لنا فيه ، فقال(صلى الله عليه وآله) : « انّي على جناح سفر ، وحال شغل ، » وقال ايضاً « ولو قد قدمنا ان شاء اللّه لاتيناكم ، فصلينا لكم فيه ».
فلما عاد من تبوك ، أتوه ، ودعوه للصلاة فيه ، فدعا بقميصه ليلبسه فيأتيهم ، فنزل عليه القرآن واخبره خبر مسجد ضرار ، وما همّوا به ، فدعا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، جماعة من أصحابه وأمرهم بهدم المسجد وحرقه ، وان يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة([29]) .
يفهم من هذه الايات ان مؤسسي هذا المسجد كانوا يتوخون تحقيق اهداف مشؤومة تحت واجهة هذا الاسم المقدس ، لكن اللّه سبحانه وتعالى امر رسوله(صلى الله عليه وآله) بعدم القيام في هذا المسجد الذي يراد منه تفريق المسلمين ونشر الكفر والالحاد ، وطلب منه القيام في المسجد الذي يؤسسس على التقوى والهدف الالهي . ويعتقد المفسرون ان المقصود هو مسجد قبا الذي ورد لمقارنته بمسجد ضرار([30]) ، وثمة احتمال آخر مبني على بعض الروايات الواردة عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)([31]) ان المقصود هو مسجد النبي(صلى الله عليه وآله) ، ولكن بلحاظ التعبير الوارد في الاية : «اول يوم » فان الاحتمال الاول هو الانسب باعتبار ان مسجد قبا هو أول مسجد اُسس بعد الهجرة النبوية المباركة .
ثم ان القرآن الكريم يشير إلى خصيصة اخرى لهذا المسجد : (فيه رجال يحبّون أن يتطهروا ...) ، حيث اختلف المفسرون بالمراد من الطهارة في الاية ; فمنهم من قال بانها الطهارة الظاهرية ، ومنهم من اشار إلى أنها الطهارة المعنوية([32]) . فهناك بعض الروايات التي تؤيد المفهوم الاول، أي الطهارة الظاهرية([33]) ، وبالطبع فان هذه الروايات لا تدل على انحصار مفهوم الاية في هذا المصداق ، بل يمكن ان يكون المعنى الطهارة من كل دنس ظاهراً كان أو باطناً .
ومهما يكن من أمر ، فاننا نستنتج من البحث ان المسجد يجب ان يؤسس على التقوى والطهارة باعتباره مركزاً لتبلور العبودية والدعاء والخضوع للّه تعالى ومحيطاً للطهارة والقداسة ، ومحطة اشعاع للايمان والتقوى ، وأي بناء يقام تحت اسم المسجد لتحقيق اغراض دنيئة ، فيجب السعي لهدمه ، كما أمر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بهدم مسجد ضرار واحراقه .
منع المشركين من بناء المساجد :
(ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر اولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * انما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الاخر واقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلاّ اللّه فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين)([34]) .
قال بعض المفسرين في سبب نزول الاية ، ان الاية الاولى نزلت في شأن سدنة الكعبة بني عبد الدار الذين حاولوا البقاء في منصبهم بالرغم من أنهم لم يؤمنوا بالدين الحق([35]) .
وقال آخرون : إنها نزلت في العباس بن عبد المطلب قبل اسلامه حينما كان يعدد مفاخره في عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج يوم بدر بعد ان عاتبه المسلمون على كفره([36]) .
على أية حال ، فان الاية تبين حكماً كلياً ، مفاده أنه لا يمكن للمشركين المعارضين للاسلام المبادرة باعمار مساجد اللّه ، وانما هي مسؤولية المؤمنين باللّه ورسوله .
بالنسبة للاية الثانية ، يعتقد بعض المفسرين ان المراد بالاعمار ليس التعمير الحسي والظاهري فحسب ، بل تدل ايضاً على الاعمار المعنوي بالحضور في المساجد والصلاة فيها وممارسة الاعمال النافعة الاخرى داخلها ، كما قال الميبدي : عمارة المسجد دخوله والقعود فيه ، وقيل : عمارته رفع بنائه واصلاح ما استلزم منه ، وقيل : عمارته التعبد فيه والصلاة والطواف([37]) .
وقال الزمخشري في تفسير هذه الكلمة : والعمارة تتناول رَمّ ما استرم منها وقمّها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها واعتيادها للعبادة والذكر ، ومن الذكر درس العلم بل هو اجلّه واعظمه ، وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا([38]) .
ثم أورد الزمخشري رواية عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) فيها دلالة على الاعمار المعنوي ، جاء في جانب منها : « ان بيوتي في الارض المساجد ، وان زواري فيها عمارها ...»([39]) . وفي رواية اخرى عن النبي(صلى الله عليه وآله) وردت في ذيل هذه الاية فسرت العمارة بالحضور المتتابع في المساجد : « إذا رأيتم الرجل يعتاد على المسجد أو يتعاهد المسجد فاشهدوا عليه بالايمان »([40]) .
إذن ، فالعمارة هنا هي بشقيها الظاهري والباطني ، وعليه فان من يسعى إلى تأسيس المساجد وعمارتها هم المؤمنون باللّه واليوم الاخر والمقيمو الصلاة والمؤتو الزكاة الذين لا يخشون إلاّ اللّه .
المسجد مركز الايمان والهداية :
(في بيوت أذن اللّه أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه يُسبَّح له فيها بالغدو والاصال ...)([41]).
قال الزمخشري في ذيل الاية الكريمة : « في بيوت » يتعلق بما قبله ، أي : كمشكاة في بعض بيوت اللّه وهي المساجد([42]) .
وقال العلامة الطباطبائي([43]) : « في بيوت » متعلق بقوله في الاية السابقة : «كمشكاة» أو قوله : «يهدي اللّه» الخ ، والمآل واحد ، ومن المتيقن من هذه البيوت المساجد فانها معدة لذكر اسمه فيها ممحضة لذلك ، وقد قال تعالى : (ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيراً)([44]) .
وورد في كشف الاسرار في ذيل هذه الاية ، ان ابن عباس قال : المساجد بيوت اللّه في الارض وهي تضيء لاهل السماء كما تضيء النجوم لاهل الارض([45]) .
ثم يقول الميبدي في تفسير معنى «الرفع» في الاية : المراد من «تُرفَع» رفع الاقدار وليس رفع الابنية ، لان من الكراهية في الشرع رفع جدران المساجد ، وقد جاء في الخبر : « واُمرنا أن نبني المساجد جماً » . ورفع الاقدار هو تعظيمها ، وعدم التحدث فيها بما لا يليق ، وذكر اسم اللّه دون غيره ، كما قال تعالى : (ويذكر فيها اسمه ...)([46]) . اذن ، فالمساجد هي من المصاديق البارزة للبيوت .
المسجد قاعدة ضد الظلم والاستغلال :
(ومن اظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ...)([47]) .
اعتبر بعض المفسرين نزول هذه الاية مرتبطاً بحادث الحديبية ، حينما رفض المشركون دخول النبي(صلى الله عليه وآله) وأصحابه إلى مكة([48]) . وقال آخرون : ان الاية تشير إلى خراب بيت المقدس (70 سنة بعد السيد المسيح) حين دخول تيطس الروماني بيت المقدس حتى صارت المدينة تلاً من التراب ، وهدمه هيكل سليمان(عليه السلام) ، واحراقه ما كان عند اليهود من نسخ التوراة([49]) .
وايّاً كان ، فان ظاهر الاية لا يدل على حادثة محددة ، ولا توجد أية قرائن لمثل هذه الاراء ، فالاية تبين حقيقة كلية تشمل الاحداث الماضية كخراب بيت المقدس ، والحاضرة (زمان نزول الاية) كحدث الحديبية ، والتالية ، كتخريب المساجد على يد الصليبيين القرامطة ، وعليه يفهم من الاية ان أهل الشرك والنفاق عدّوا هذه المراكز خطراً حقيقياً لانها كانت على مر التاريخ قواعد للوحدة والعبودية وحصوناً للجهاد ضد الفساد والطاغوت ، ولهذا سعى اعداء اللّه دائماً وبشهادة التاريخ إلى التقليل من شأن المساجد وتحجيم اهميتها بمختلف المخططات والدسائس . وعلى هذا الاساس اعتبر القرآن الكريم الدفاع عن حرمة المساجد وقداستها احد أهم دلائل تشريع الجهاد : (ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم اللّه كثيراً ولينصرن اللّه من ينصره إن اللّه لقوي عزيز)([50]) .
المسجد في الحديث :
ثمة روايات كثيرة وردت عن النبي(صلى الله عليه وآله) والائمة(عليهم السلام) في أهمية المساجد ومكانتها الرفيعة ، ولزوم احترامها ، واعمارها بالحضور المستمر فيها لاداء الصلاة وطلب العلم وغير ذلك من الامور المفيدة . نشير فيما يلي إلى بعضها :
المساجد بيوت اللّه على الارض :
روي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ان اللّه سبحانه قال : « الا ان بيوتي في الارض المساجد تضيء لاهل السماء كما تضيء النجوم لاهل الارض »([51]) .
المساجد مجالس الانبياء وبيوت المتقين :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « المساجد مجالس الانبياء »([52]) ، وقال(صلى الله عليه وآله) : « المساجد بيوت المتقين ، ومن كانت المساجد بيته ضمن اللّه له بالروح والراحة والجواز على الصراط »([53]) ، وقال(صلى الله عليه وآله) أيضاً : « خير البقاع المساجد ([54]) .
احترام المسجد :
قال الامام الصادق(عليه السلام) ليونس بن يعقوب : « ملعون ملعون من لم يوقر المسجد ، أتدري يا يونس لِمَ عظّم اللّه تعالى حق المساجد وانزل هذه الاية : (وإن المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدا) ؟ . كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم اشركوا باللّه تعالى ، فأمر اللّه سبحانه نبيه أن يوحد اللّه تعالى فيها ويعبده »([55]) . وجاء في حديث آخر للامام الصادق(عليه السلام) : « انما أُمرنا بتعظيم المساجد لانها بيوت اللّه في الارض »([56]) .
فضيلة بناء المسجد :
قال النبي(صلى الله عليه وآله) : « من بنى مسجداً ولو مَفْحَص قطاة بنى اللّه له بيتاً في الجنة »([57]).
وقال(صلى الله عليه وآله) : « من بنى مسجداً في الدنيا اعطاه اللّه بكلّ شبر منه (أو قال بكلّ ذراع منه ) مسيرة اربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضة ودر وياقوت وزمرد وزبرجد ولؤلؤ »([58]) .
تلاوة القرآن وطلب العلم في المسجد :
ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) انه قال : « ما جلس قوم في مسجد من مساجد اللّه تعالى يتلون كتاب اللّه يتدارسونه بينهم إلاّ تنزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم اللّه فيمن عنده »([59]) .
وقال(صلى الله عليه وآله) : « انما نصبت المساجد للقرآن »([60]) .
وورد في كتب حديث أهل السنة ان رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال : « من غدا او راح الى المسجد لا يريد غيره ليعلم خيراً أو يعلمه ثم رجع الى بيته الذي خرج منه كان كالمجاهد في سبيل اللّه رجع غانماً »([61]) .
وروي عن أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) انهم قالوا : « كنا في مسجد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)حلقاً نتحدث إذ خرج علينا رسول اللّه من بعض حجره فنظر إلى الحلق ثم جلس إلى أصحاب القرآن فقال : بهذا المجلس أُمرت »([62]) .
وقيل ان النبي(صلى الله عليه وآله) خرج من منزله يوماً ، فرأى في المسجد مجلسين ، أحدهما يتداول أمور الدين ، والاخر منهمك في الدعاء ، فقال : « كلا المجلسين الى خير ; اما هؤلاء فيدعون اللّه ، واما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل ، هؤلاء أفضل . بالتعليم اُرسلت »([63]) .
فضل زيارة المساجد :
روي عن الرسول(صلى الله عليه وآله) أنه قال : « من مشى الى مسجد من مساجد اللّه تعالى فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع الى منزله عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات »([64]) .
وقال(صلى الله عليه وآله) : « بشر المشّائين الى المساجد في ظُلَم الليل بنور ساطع يوم القيامة »([65]) .
وقال الامام الصادق(عليه السلام) : « من مشى الى المسجد لم يضع رجلاً على رطب ولا يابس إلاّ سبحت له الارض الى الارضين السابعة »([66])
الحضور المستمر في المسجد :
عن الامام علي(عليه السلام) قال : « من اختلف الى المساجد أصاب احدى الثمان : أخاً مستفاداً في اللّه ، أو علماً مستطرفاً ، أو آية محكمة ، أو يسمع كلمة تدل على هدى ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة تردّه عن ردى ، أو يترك ذنباً خشية أو حياء »([67]) .
فضل الجلوس في المسجد :
قال اميرالمؤمنين(عليه السلام) : « الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنة ، لان الجنة فيها رضا نفسي والجامع فيه رضا ربي »([68]) .
وعن عثمان بن مظعون أنه قال لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : اني اردت ان أترهب .
قال : « لا تفعل يا عثمان فان ترهب امتي القعود في المساجد انتظار الصلاة بعد الصلاة »([69]) .
النهي عن ترك المساجد :
قال الامام علي(عليه السلام) : « لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد إلاّ أن يكون له عذر أو به علّة . فقيل : مَنْ جار المسجد يا اميرالمؤمنين ؟ فقال : من سمع النداء »([70]) .
وروي أنه رفع إلى أميرالمؤمنين(عليه السلام) بالكوفة ان قوماً من جيران المسجد لا يشهدون الصلاة جماعة في المسجد ، فقال(عليه السلام) : « ليحضرن معنا صلاتنا جماعة ، أو ليتحولن عنا ولا يجاورونا ولا نجاورهم »([71]) .
وقال الامام الصادق(عليه السلام) : « شكت المساجد الى اللّه تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها ، فأوحى اللّه اليها : وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة ، ولا
أظهرت لهم في الناس عدالة ولا نالتهم رحمتي ولا جاوروني في جنتي »([72]) .
عمارة المساجد ونظافتها :
من وصية رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) لابي ذر : « ... يا أبا ذر من أجاب داعي اللّه وأحسن عمارة مساجد اللّه كان ثوابه من اللّه الجنة . فقلت : كيف يعمر مساجد اللّه ؟ قال : لا ترفع الاصوات فيها ، ولا يخاض فيها بالباطل ، ولا يشترى فيها ولا يباع ، واترك اللغو مادمت فيها »([73]) .
وروي عن النبي(صلى الله عليه وآله) في نظافة المساجد : « من قمَّ مسجداً كتب اللّه له عتق رقبة ومن أخرج منه ما يُقذى عيناً كتب اللّه عزّوجل له كفلين من رحمته »([74]) .
اضاءة المساجد :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « من اسرج في مسجد من مساجد اللّه سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له مادام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج »([75]) .
وقال(صلى الله عليه وآله) : « من أحب أن لا يظلم لحدُهُ فلينور المساجد »([76]) .
تعطير المساجد :
روى الامام علي(عليه السلام) عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أنه قال : « جنبوا مساجدكم مجانينكم... الى أن قال : وجمّروها في كلّ سبعة أيام »([77]) . وورد في رواية اخرى أنه(صلى الله عليه وآله) قال : « وجمّروها في الجمع »([78]) .
بعض الاحكام الفقهية للمسجد :
وضع الفقه الاسلامي احكاماً للمساجد حفظاً لقداستها وحماية لحرمتها ، وقد اُدرجت هذه الاحكام في النصوص الفقهية تحت عنوان احكام المساجد على ثلاثة محاور : المكروهات والمستحبات والمحرمات ، حيث تناولها الفقهاء بالشرح والتفصيل والاستدلال ; منها ما يتعلق بكيفية بناء المساجد ، ومنها بآداب الدخول اليها ، وبعضها الاخر حول ما ينبغي اجتنابه فيها .
وإذ يتطلب ذكر جميع الاحكام المتعلقة بالمساجد بحثاً مطولاً وشرحاً مسهباً ودراسة فقهية مستفيضة ، فاننا نقتصر في بحثنا هذا على بعض الجوانب ، وتناول الموضوع باختصار .
آداب الدخول الى المسجد :
يلزم المرء حينما ينوي الذهاب إلى المسجد والحضور في بيت اللّه ان يسعى ما أمكنه إلى ان يعرف آداب الحضور ، لان العمل بالقيم والاداب مع المعرفة تقرب العبد إلى اللّه تعالى اكثر مما لو كان عملاً دون معرفة .
فقد روي عن الامام الصادق(عليه السلام) أنه قال : « إذا بلغت باب المسجد فاعلم انك قصدت باب بيت ملك عظيم لا يطأ بساطه إلاّ المطهرون ، ولا يؤذن بمجالسة مجلسه إلاّ الصديقون ، وهب القدوم الى بساط خدمة الملك فانك على خطر عظيم ان غفلت هيبة الملك ، واعلم أنه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك ، فان عطف عليك برحمته وفضله قبل منك يسير الطاعة ، وآجرك عليها ثوباً كثيراً ، وان طالبك باستحقاقه الصدق والاخلاص عدلاً بك ، حجبك ورد طاعتك وان كثرت ، وهو فعال لما يريد .
واعترف بعجزك وتقصيرك وفقرك بين يديه ، فانك قد توجهت للعبادة له ، والمؤانسة ، واعرض اسرارك عليه ، ولتعلم أنه لا تخفى عليه اسرار الخلائق اجمعين وعلانيتهم ، وكن كأفقر عباده بين يديه ، وأخلِ قلبك عن كلّ شاغل يحجبك عن ربك فانه لا يقبل إلاّ الاطهر والاخلص .
وانظر من أي ديوان يخرج اسمك ، فان ذقت من حلاوة مناجاته ولذيذ مخاطباته وشربت بكأس رحمته وكراماته من حسن اقباله عليك واجابته ، فقد صلحت لخدمته ، فادخل ، فلك الامن والامان ...»([79]) .
اذن ، يفترض بالانسان ان يسعى إلى تحصيل الاداب الباطنية ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ليتوفر على استعداد الحضور في هذا المكان المقدس . فضلاً عن ذلك يتعين على المرء ان يجد ويجتهد في مراعاة الاداب الظاهرية للمسجد ومنها :
1 ـ الوضوء :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال اللّه تعالى : « ألا ان بيوتي في الارض المساجد ... الا طوبى لعبد توضأ في بيته ثم زارني في بيتي ، ألا ان على المزور كرامة الزائر »([80]) .
وورد في الحديث : « لا تدخل المساجد إلاّ بالطهارة »([81]) .
2 ـ اللباس :
روي عن الامام الصادق(عليه السلام) في تفسير الاية الكريمة : (خذوا زينتكم عند كلّ مسجد) أنه قال : : « اي خذوا ثيابكم التي تزّينون بها للصلاة في الجمعات والاعياد »([82]) .
وروي ان علي بن الحسين(عليه السلام) استقبله مولى له في ليلة باردة وعليه جبّة خز ومطرف خز وعمامة خز وهو متغلف بالغالية ، فقال له : جعلت فداك في مثل هذه الساعة على هذه الهيئة . إلى اين ؟
فقال : « الى مسجد جدي رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) »([83]) .
3 ـ الدخول :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « تعاهدوا نعالكم عند ابواب مسجدكم »([84]) .
وقال الامام الصادق(عليه السلام) : « اذا دخلت المسجد فادخل رجلك اليمنى وصلّ على النبي وآله »([85]) .
4 ـ الدعاء:
روي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أنه طلب قراءة الدعاء التالي عند دخول المسجد : « بسم اللّه وعلى اللّه توكلت ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه »([86]) .
وقالت فاطمة الزهراء(عليها السلام) ان رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) كان يقرأ الدعاء التالي عند دخول المسجد : « اللّهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي ابواب رحمتك »([87]) .
5 ـ صلاة التحية :
من آداب المسجد الاخرى اقامة صلاة التحية ، فقد روي عن أبي ذر ، عن النبي(صلى الله عليه وآله)أنه قال : « يا أبا ذر ! ان للمسجد تحية ... ركعتان تركعهما »([88]) .
محظورات المسجد :
ثمة امور ينبغي اجتنابها في المسجد باعتباره بيت اللّه ، وهي اما ان تحمل حكم الحرمة أو الكراهة ، وفيما يلي نتطرق إلى أهم الاحكام الواردة في هذا الباب بمحوريه المحرم والمكروه :
1 ـ ادخال النجاسة الى المسجد :
اجمع الفقهاء على حرمة ادخال الاشياء النجسة إلى المسجد لو ادى الامر إلى هتك حرمته ، كما استُدل على ذلك بالاية الكريمة : (انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام)([89]) ، حيث يفهم من الاية أنه من غير الجائز السماح للكفار والمشركين بدخول المساجد . كما ان من المحرم تنجيس أرض المسجد وسقفه وجدرانه وأثاثه ، وفي حال تنجسها ينبغي تطهيرها فوراً([90]) ، استدلالاً بالاية الكريمة([91]) : « وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود »([92]) .
ويحرم أيضاً لبث الجنب والحائض في المسجد ، استناداً إلى الاية التالية والرواية التي وردت في ذيلها : (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلاّ عابري سبيل حتى تغتسلوا ...)([93]) يقول جميل : سألت أبا عبداللّه(عليه السلام) عن الجنب يجلس في المسجد ، فقال : « لا ، ولكن يمر فيها كلها إلاّ المسجد الحرام ومسجد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) »([94]) .
2 ـ تزيين المساجد بالذهب ونقشها بالصور :
قال العلامة الحلي في سبب حرمة تذهيب المساجد : لانّ ذلك لم يفعل في زمن النبي(صلى الله عليه وآله) ولا في زمن الصحابة فيكون إحداثه بدعة([95]) .
كما وردت روايات بطرق العامة بهذا الشأن ، استدل بها بعض الفقهاء على الحرمة([96]) . وقد حرّم معظم الفقهاء الصور في المساجد ، فقال المحقق الحلي : ويحرم زخرفتها ونقشها بالصور([97]) . وقال الشهيد الثاني : ولا ريب في تحريم تصوير ذي الروح في غير المساجد ففيها أولى([98]) .
وقد احتاط بعض الفقهاء في نقش المساجد بصور الاحياء ، حيث جاء في العروة الوثقى : بل الاحوط ترك نقشه بالصور([99]) .
وهناك أحكام اخرى وردت في النصوص الفقهية تحت عنوان محرمات المساجد ، نُعرض عن ذكرها تجنباً للاطالة .
3 ـ البيع والشراء :
من الامور التي ينبغي اجتناب ممارستها في المساجد البيع والشراء ، فقد روى الامام علي(عليه السلام) عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « جنّبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم » إلى ان قال : « وبيعكم وشراءكم ... »([100]) .
وقال الامام الصادق(عليه السلام) : « جنّبوا مساجدكم الشراء والبيع ... »([101])
كما نصّت كتب الفقه على كراهة هذا الامر ، فقد قال العلامة الحلي : « فمحل البيع والشراء وسائر المعاملات الاسواق لا المساجد لانها بنيت للعبادة لا غير »([102]) .
4 ـ انشاد الشعر :
من مكروهات المسجد أيضاً ، انشاد الشعر فيه ، فقد قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا فضّ اللّه فاك . انما نُصبت المساجد للقرآن »([103]) .
وبطبيعة الحال ، فان الكراهة لا تشمل انشاد الاشعار المفيدة في باب الموعظة والحكمة والنصيحة وامثال ذلك ، فقد نقل الشهيد الثاني عن الشهيد الاول قوله : وليس ببعيد حمل اباحة انشاد الشعر على ما يَقلّ منهُ وتكثر منفعته ; كبيت حكمة أو شاهد على لغة في كتاب اللّه تعالى وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله)وشبهة ، لانه من المعلوم ان النبي(صلى الله عليه وآله) كان يُنشد بين يديه البيت والابيات من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك([104]) .
5 ـ حديث الدنيا :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد فيقعدون حلقاً ذكرهم للدنيا وحبّ الدنيا لا تُجالسوهم فليس للّه فيهم حاجة »([105]) .
وجاء في رواية اخرى : « الحديث للبغي في المسجد يأكل الحسنات كما يأكل البهيمة الحشيش »([106]) .
وذكرت النصوص الفقهية كراهة مثل هذا العمل ، فقد ذكر صاحب العروة : ويكره التكلم بأمور الدنيا([107]) .
6 ـ رفع الصوت :
اجمع الفقهاء على كراهة رفع الصوت في المساجد ، قال صاحب العروة في ذلك : ويكره رفع الصوت إلاّ في الاذان ونحوه([108]) .
وقد استدل على هذا الامر ببعض الروايات ، منها ماورد عن أبي ذر أنه سأل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) عن كيفية اعمار المساجد ، فقال(صلى الله عليه وآله) : « لا ترفع فيها الاصوات ولا يُخاض فيها بالباطل ...»([109]) .
7 ـ تلويث المسجد بالبصاق والنخامة :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « من وقر المسجد من نُخامة لقي اللّه تعالى يوم القيامة ضاحكاً قد اُعطي كتابه بيمينه »([110]) .
8 ـ النوم في المسجد :
قال معظم الفقهاء بكراهة النوم في المسجد ، لانه يتنافى مع وجوب تعظيم المساجد الامر الذي اشارت اليه الروايات ، ويؤدي إلى هتك حرمة المسجد . قال النبي(صلى الله عليه وآله) : « من نام في المسجد بغير عذر ابتلاه اللّه بلاءً لا زوال له »([111]) .
وروي عن الامام الصادق(عليه السلام) في تفسير الاية : (لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى ...) ، ان المراد من السكر النوم([112]) .
وبما ان المراد بالصلاة في هذه الاية المسجد([113]) حسب مفاد الروايات وقول اكثر المفسرين ، فيُستنبط من الاية أنه نُهي عن النوم في المسجد .
------------------------------
([1]) فخر الدين الطريحي ، مجمع البحرين 3 : 65 ، تحقيق السيد أحمد الحسيني ، المكتبة الرضوية ، طهران ، 1386 هـ.ق.
([2]) سعيد الخوزي الشرتوني، اقرب الموارد في فصح العربية والشوارد:495. المكتبة الحجازية ،بيروت.
([3]) محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس (من جواهر القاموس) 2 : 371، منشورات دار مكتبة الحياة ، لبنان .
([4]) المصدر نفسه .
([5]) الراغب الاصفهاني ،
مفردات الفاظ القرآن :271،
تحقيق نديم مرعشلي،
دار الكتب العلمية .
([6]) محمد بن عبدالله الزركشي، اعلام الساجد باحكام المساجد:28 ، تحقيق ابو الوفاء مصطفى المراغي ، دار الكتب المصرية ، القاهرة ، 1403 هـ . ق .
([7]) الكهف : 21 .
([8]) الاسراء : 1 .
([9]) محمد حسن النجفي،
جواهر الكلام 14:61.
دار الكتب الاسلامية
طهران ،1392هـ.ق.
([10]) عبدالرحمن السيوطي ، حسن المحاضرة في اخبار مصر والقاهرة 2 : 149 ، مطبعة الموسوعات ، مصر.
([11]) حسن عبدالوهاب، تاريخ
المساجد الاثرية : 8، دار
الكتب المصرية،القاهرة.
([12]) البقرة : 145 ، 150 ، 151 ، 191 ، 196 ، 217 ; المائدة :2; الاعراف :29 ـ 31 ; الانفال : 34 ; التوبة : 7 ; الاسراء : 1 ; الكهف : 21 ; الحج : 25 ; العنكبوت : 7 ; الفتح : 25 ، 27 .
([13]) البقرة: 114 ، 187 ;
التوبة : 17 ـ 18 ;
الحج :40 ; الجن :18.
([14]) آل عمران : 96 .
([15]) البقرة : 120.
([16])تفسير الرازي1:311،
تصحيح وحواشى مهدي الهي قمشه اى،انتشارات
علمي، طهران ، 1325
([17]) المصدر نفسه .
([18]) ابراهيم : 37 .
([19]) البقرة : 127 .
([20]) نهج البلاغة 794 .
الخطبة القاصعة.
([21]) الطبرسي، مجمع البيان
في تفسير القرآن:204،
انتشارات اسلامية، طهران،
1390 هـ.ق.
([22]) السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في
تفسير القرآن3:582،طهران.
([23]) الجن : 18 .
([24]) المؤمن : 60.
([25]) الميزان 20 : 206 .
([26]) المصدر نفسه .
([27]) رشيد الدين الميبدي، كشف الاسرار وعدة الابرار 10 : 256، باهتمام علي اصغر حكمت ، طهران ، 1339.
([28]) التوبة : 107 ـ 108 .
([29]) علي الواحدي النيشابوري، اسباب النزول : 175 ـ 176، انتشارات بنياد علوم اسلامي، طهران; ابن هشام، السيرة النبوية 1 : 530، مصر ، 1355 هـ.ق . الواقدي المغازي 3 : 790 ـ 797، انتشارات دانشگاهها ، طهران ، 1366 هـ.ش.
([30]) الميزان 9 : 622 .
([31]) تفسيرالرازي 5:253.
([32]) مجمع البيان : 5 : 73 .
([33]) الميزان 9 : 622 .
([34]) التوبة : 17 ـ 18.
([35]) كشف الاسرار 4 : 102 .
([36]) تفسيرالرازي 5:140.
([37]) كشف الاسرار 4 : 103 .
([38])الزمخشري،الكشاف6:
179،دار المعرفة بيروت.
([39]) الكشاف 2 : 179 .
([40]) محمد رشيد رضا،المنار
1:214، دار المعرفة بيروت.
([41]) النور : 36 .
([42]) الكشاف 3 : 68 .
([43]) الميزان 15 : 178 .
([44]) الحج : 41 .
([45]) كشف الاسرار 6 : 536 .
([46]) المصدر نفسه 6 : 537 .
([47]) البقرة : 114 .
([48]) المنار 1 : 431 .
([49]) المصدر نفسه .
([50]) الحج : 40 .
([51]) الميرزا حسين النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل 3 : 313، تحقيق مؤسسة آل البيت لاحياء التراث ، مطبعة سعيد ، مشهد ، 1407 هـ.ق.
([52]) المصدر نفسه : 359 .
([53]) المصدر نفسه 359.
([54]) المصدر نفسه : 554 .
([55]) اسماعيل المعزّيّ، جامع
الاحاديث 4 : 452،مطبعة
مهر ، قم .
([56]) الحر العاملي، وسائل الشيعة3:556،
دار احياء التراث
العربي، بيروت.
([57]) مستدرك الوسائل 3:366.
([58]) جواهر الكلام 14 : 73 .
([59]) مستدرك الوسائل 3:363.
([60]) جواهر الكلام 14 : 112.
([61]) مالك بن انس ، الموطأ:56 ، تعليق وتحقيق عبداللطيف ، لجنة احياء التراث الاسلامي ، مصر ، 1387 هـ.ق.
([62]) الكاندهلوي ، حياة
الصحابة 3 : 106، دار القلم،
بيروت 1968.
([63]) زين الدين العاملي، منية المريد :26، اعداد السيد أحمد الحسيني ، مجمع الذخائر الاسلامية ، مطبعة الخيام ، رقم ، 1402 هـ.ق.
([64]) يوسف البحراني، الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة 7 : 264، دار الكتب الاسلامية ، النجف ، 1379 هـ.ق.
([65]) مستدرك الوسائل 3:364.
([66]) وسائل الشيعة 3 : 480 .
([67]) المصدر نفسه:480.
([68]) المصدر نفسه : 482.
([69]) المصدر نفسه : 85 .
([70]) مستدرك الوسائل 3:356.
([71]) وسائل الشيعة 3 : 479 .
([72]) جواهر الكلام 14 : 138 .
([73]) وسائل الشيعة 3 : 507 .
([74]) المصدر نفسه 3 : 115 .
([75]) جواهر الكلام 14 : 88 .
([76]) مستدرك الوسائل 3:386.
([77]) المصدر نفسه .
([78]) السيد محمد مهدي الكاظمي، تحفة الساجد في أحكام المساجد :50، بغداد ،
1376 هـ . ق .
([79]) المجلسي ،بحار الانوار
82 : 374، مؤسسة الوفاء
بيروت 1403 هـ.ق .
([80]) مستدرك الوسائل
3 : 352 .
([81]) المصدر نفسه : 380.
([82]) وسائل الشيعة 3 : 333 .
([83]) المصدر نفسه :503.
([84]) المصدر نفسه : 505.
([85]) مستدرك الوسائل 3:392.
([86]) المصدر نفسه : 393.
([87]) وسائل الشيعة 3 : 518 .
([88]) المصدرنفسه .
([89]) تحفة الساجد في احكام
المساجد : 68 .
([90]) السيد محمد كاظم الطباطبائي، العروة الوثقى : 212 ، تعليق الامام
الخميني(قدس سره) ، مكتبة الوجداني،
قم، 1400 هـ.ق.
([91]) تحفة الساجد في أحكام
المساجد : 68 .
([92]) البقرة : 125 .
([93]) محمود شهابي، ادوار فقه (ادوار الفقه) 1 : 61، وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي ، طهران ، 1368 هـ.ش.
([94]) وسائل الشيعة 1 :الباب 1 ، ح 2 .
([95]) تحفة الساجد في
أحكام المساجد: 87 .
([96]) جواهر الكلام 14 : 89 .
([97]) المحقق الحلي، شرائع الاسلام 1 : 117، تحقيق عبدالحسين محمد علي بقال ، انتشارات اسماعيليان ، قم 1409 هـ.ق.
([98]) زين الدين العاملي ،
الروضة البهية في شرح
اللمعة الدمشقية 1 : 554،
جامعة النجف الدينية،
1398 هـ.ق.
([99]) العروة الوثقى : 212 .
([100]) مستدرك الوسائل
3 : 381 .
([101]) وسائل الشيعة 3 : 507 .
([102]) تحفة الساجد في احكام المساجد : 117، نقلاً عن
المنتهى : 388 .
([103]) المصدرنفسه : 141 .
([104]) الروضة البهية 1 : 548 .
([105]) مستدرك الوسائل 3:371.
([106]) تحفة الساجد في احكام
المساجد : 177 .
([107]) العروة الوثقى : 213 .
([108]) المصدرنفسه .
([109]) بحار الانوار 3 : 37 .
([110]) مستدرك الوسائل 3:375.
([111]) المصدر نفسه 3:372.
([112]) مستدرك الوسائل:158.
([113]) المصدر نفسه : 159 .
احدث الاخبار
العميد جلالي: بنيتنا التحتية الصاروخية تحت الأرض سليمة ولم تمس
برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام
خطيب جمعة طهران: صمود المقاومة الإسلامية هو ثمرة التأسي بمدرسة القرآن الكريم
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية