Skip to main content

السياسة العالمية بتوقيت الانتخابات الإيرانية: هكذا يقف الشعب خلف قائده

التاريخ: 08-03-2012

السياسة العالمية بتوقيت الانتخابات الإيرانية: هكذا يقف الشعب خلف قائده

بقلم: عبد الحسين شبيب   كانت لافتة جداً لمن تابع وقائع الانتخابات الإيرانية تلك الابتسامة العريضة المرفقة بإيماءة من الرأس متواضعة وقوية والتي تقصَّد الإمام السيد علي الخامنئي التعبير بها أثناء إدلائه بصوته لاختيار أعضاء مجلس الشورى (البرلمان) التاسع منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية

بقلم: عبد الحسين شبيب

 

كانت لافتة جداً لمن تابع وقائع الانتخابات الإيرانية تلك الابتسامة العريضة المرفقة بإيماءة من الرأس متواضعة وقوية والتي تقصَّد الإمام السيد علي الخامنئي التعبير بها أثناء إدلائه بصوته لاختيار أعضاء مجلس الشورى (البرلمان) التاسع منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.

 

القائد الذي يقف على رأس هرم السلطة في الجمهورية الإسلامية كان حاضراً بقوة في معركة الانتخابات التي دأب على إعطائها بعداً استراتيجياً في المواجهة التي يقودها الغرب ضد إيران بذريعة برنامجها النووي، وواظب في جميع الخطب والكلمات التي ألقاها في أكثر من مناسبة، وكانت كثيرة وملفتة طوال العام الإيراني الذي ينتهي هذا الشهر، على حث الشعب على تحقيق أعلى نسبة مشاركة "من أجل تحدي الضغوط والأخطار التي تتربص بالجمهورية الإسلامية وتوجيه رسائل للأصدقاء والأعداء" (وهو آخر ما قاله بهذا الشأن أثناء إدلائه بصوته). وحيث أن الإمام الخامنئي وعد خصوم الجمهورية الإسلامية باستجابة شعبية إيرانية واسعة في هذا الاستحقاق المهم، فقد بلغت نسبة المشاركة خمسة وستين في المئة (65%)، وكانت بارزة نسبة المشاركة المرتفعة في العاصمة طهران التي بلغت اثنين وخمسين في المئة (52%)، وهو رقم له دلالاته المرتبطة باستحقاق الانتخابات الرئاسية السابقة، حيث اقتنص حينها المرشح الرئاسي مير حسين موسوي تقدمه البسيط في العاصمة على منافسه آنذاك الرئيس أحمدي نجاد ليسارع إلى إعلان فوزه من دون أن ينتظر نتائج بقية المحافظات التي رفعت الفارق بينه وبين نجاد إلى أكثر من عشرة ملايين صوت لصالح الرئيس نجاد. وعليه تعد نسبة المشاركة في طهران مؤشراً على تغير في مزاج الناخب الإيراني في العاصمة الذي اتضحت له تباعاً طبيعة المؤامرة الخبيثة التي كانت تقف وراء فتنة العام 2009 وزعم موسوي انه هو الفائز.

 

وفي لغة التحليلات التي كانت سائدة حتى الساعات الأخيرة ما قبل فتح الصناديق فإن الأهمية الأولى لنسبة الـ (65%) تكمن في إسقاط الرهان الذي كان قائماً على تدنيها إلى ما تحت الخمسين في المئة بكثير تتويجاً لمقولة إن الإصلاحيين ليسوا مشاركين في هذه الانتخابات، وبالتالي فإن جمهورهم سيعزف عن الاقتراع مما سيدني نسبة المشاركة إلى حدود غير مسبوقة، على ما كان يذهب إليه هؤلاء، موحين ضمناً بأن غالبية الشعب الإيراني هي مع "التيار الإصلاحي". لكن الصدمة والصفعة كانت كبيرة جداً لكل تلك الأطراف الخارجية التي وضعت ثقلها الإعلامي لترويج هذه المقولة، لتأتي نسبة المشاركة هذه، وفي طهران بالتحديد، لتشير إلى حاجة ماسة لكل القابعين في مراكز صنع القرار العالمي ممن يعتبرون أنفسهم مختصين بالشأن الإيراني وقادرين على فهم وتفسير مزاج الناخب الإيراني، إلى إعادة النظر في أدوات فهمهم وتحليلهم، حيث إن تلك التقسيمات التقليدية التي دأبوا على اعتمادها منذ نحو عقدين ونيف من الزمن لم تعد تصلح للبناء عليها"، حيث أن الجمهورية الإسلامية قد تجاوزتها بالفعل، ليتضح أن المشهد الإيراني يتمركز اليوم عند القائد كما كان عهد المؤسس ويستعيد أيام البدايات في هذه الظروف ليؤكد بالأرقام خيار الشعب الإيراني في الوقوف وراء قيادته المتمثلة بالإمام الخامنئي الذي كانت ابتسامته العريضة وإيماءته تلك تعبيراً واضحاً عن ثقة كبيرة في نسبة المشاركة هذه التي اعتبر مراراً أنها بالنسبة إليه وإلى النظام الإسلامي هي النتيجة بذاتها.

 

أهمية رسالة نسبة المشاركة المرتفعة، فهي أبلاغها رسمياً ذلك الفريق من المجتمع الدولي الذي يناصب العداء لإيران عقم وفشل رهانه على نظام العقوبات الاقتصادية القاسية في إبعاد الشعب الإيراني عن قيادته.

 

أما مكمن الأهمية الثانية في مضمون رسالة نسبة المشاركة المرتفعة ـ والتي لا تبلغها عادة أكثر الديمقراطيات عراقة في عالمنا المعاصر ـ فهي أبلاغها رسمياً ذلك الفريق من المجتمع الدولي الذي يناصب العداء لإيران عقم وفشل رهانه على نظام العقوبات الاقتصادية القاسية في إبعاد الشعب الإيراني عن قيادته عبر تحميلها تبعات ما يتعرض له من حصار وعقوبات، لا بل إن المعنى المستخلص بسرعة ووضوح هو تصويت لصالح المسار المعتمد من قبل القيادة في التصدي لكل المحاولات الخارجية للنيل من قوة واقتدار وعزة الجمهورية الإسلامية، وهي الكلمات الثلاث التي طالما رددها المسؤولون الإيرانيون. وإلا لماذا يتعين على الشعب الإيراني أن ينزل بهذا الحجم للاقتراع لو لم تكن هذه هي الرسالة الحاسمة والحازمة، لاسيما في ظل الحديث عن أن المتنافسين هم أبناء تيار واحد، تيار المحافظين، مما يفترض عادة في ظروف مماثلة أن تتدنى نسبة المشاركة طالما أن الفائزين هم من السنخ نفسه. ومع ذلك فإن الإعلام الخارجي جهد لتظهير هذا التنافس بطريقة سلبية، فقدمها على أنها منافسة بين فريقين داخل تيار المحافظين، واحد منحاز إلى الإمام الخامنئي وآخر منحاز إلى الرئيس نجاد، لكن النتائج أظهرت تقدماً كاسحاً للفريق المؤيد للإمام الخامنئي تجاوزت الخمسة وسبعين في المئة من مجموع مقاعد مجلس الشورى، بما فيها المقاعد الثلاثين الخاصة بالعاصمة طهران والتي أظهرت النتائج الأولية فوز أنصار القائد بـ 19 مقعداً فيها فيما فاز منافسوهم بالمقاعد المتبقية. علماً أن كلا الفريقين الفائزين هما جزء أساسي من الحاضنة الشعبية الكبيرة للولي الفقيه، لكن عملية التغطية الإعلامية والسياسية الخارجية لهذا الاستحقاق لم تجد سوى تلك النافذة لتطل منها. ومع ذلك فإن فرز الأصوات على هذا النحو الذي اشتغل عليه الإعلام الغربي والعربي المناوئ شكل ضربة قوية لأولئك الساعين دائماً إلى التصويب على صورة القائد وقاعدته الجماهيرية التي يتأكد يوماً بعد آخر أنها تحظى بشعبية أكبر بكثير مما يقول به حتى الأصدقاء وليس الأعداء فحسب.

 

ماذا بعد الانتخابات التشريعية وفوز التيار المحافظ بالأغلبية الساحقة من مقاعد البرلمان؟ السؤال ليس محصوراً باستحقاق الانتخابات الرئاسية الإيرانية العام القادم، والذي بادر المحللون إلى توقع نتائجه من الآن قياساً إلى نتائج انتخابات مجلس الشورى، بل إن الإجابة تتعلق بذلك التفكير العقيم في دوائر القرار الأميركي والأوروبي الذي لا يزال يراهن على إحداث شرخ في بنية النظام الإسلامي وتطبيق مقولات احتوائه وعزله عن قاعدته وغيرها من النظريات التي لا يوجد لها مكان تحت شمس الجمهورية الإسلامية. ويمكن القول بسهولة أن التهديد بالحرب ومواصلة الحصار والعقوبات أتت بهذا الالتفاف الجماهيري حول خيارات القيادة، وأكدت تكاتف وتمسك الإيرانيين بحقوقهم غير القابلة للتصرف والتفاوض من أي جهة ومع أي جهة وعلى رأسها حقهم في امتلاك التكنولوجية النووية السلمية، فكيف إذا تطاير شرر الحرب كما يهدد الأميركيون والإسرائيليون؟ مع الإشارة إلى أن ثمة من يشتغل الآن في واشنطن وأوروبا على تفسير نتائج الانتخابات الإيرانية ووضعها على الطاولة لمحاولة رسم مشهد ما بعد أي مغامرة قد يرتكبونها ضد إيران، وما إذا كانت ستحدث هوة بين القيادة والشعب الإيرانيين، أم بين القيادات الغربية وشعوبها ممن لا يتلقون سوى الخيبات والخسائر والنعوش منذ افتتح الرئيس البائد جورج بوش مسلسل الحروب على العالم الإسلامي.

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة