حزب الله والتجربة الثقافية
التاريخ: 28-07-2011
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة بدون شك أيها الإخوة ليس من الغريب أن يكون حديثنا بصورة خاصة حول حزب الله دون غيره من الحركات والأحزاب، هناك فرادة وتميز يتمتع بها هذا الحزب يكفي أن يطالع الإنسان واقع الشارع العربي والإسلامي ليجد هذه الظاهرة الفريدة والتي لا تتكرر كثيرا، هذا العشق الجماهيري لهذا الحزب ولسيد هذا الحزب
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
بدون شك أيها الإخوة ليس من الغريب أن يكون حديثنا بصورة خاصة حول حزب الله دون غيره من الحركات والأحزاب، هناك فرادة وتميز يتمتع بها هذا الحزب يكفي أن يطالع الإنسان واقع الشارع العربي والإسلامي ليجد هذه الظاهرة الفريدة والتي لا تتكرر كثيرا، هذا العشق الجماهيري لهذا الحزب ولسيد هذا الحزب.
هذه المقاومة الإسلامية الباسلة استطاعت أن تعبر الحدود في جماهيريتها بحيث نجد الفقير والغني والمثقف والإنسان الاعتيادي والسياسي وغير السياسي، استطاعت هذه المقاومة أن تلفت نظر الجماهير وتعبر الطوائف وتعبر الأقطار، هنا يوجد فرادة وقدرة متميزة على صناعة الحب لدى الجماهير بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم وكل الأمور التي تصنف الناس وتجعلهم مختلفين في انتماءاتهم.
أيها الأحبة، أيها الإخوة، هناك منهجيتان في قراءة الحدث اللبناني:
ـ القراءة الأولى: القراءة القصصية:
يمكن أن نقرأ ما حدث ويحدث في لبنان باعتبارها قصة لطيفة شيقة، سيد المقاومة يعد بتحرير الأسرى فتكون هناك إثارة فهل يستطيع الحزب أن يفي بهذا الوعد؟ ما هي خاتمة هذا الوعد؟
هناك قسم من الشارع العربي ارتبط بحزب الله باعتباره حزب المخاطر والإثارة والمغامرات بالمعنى الايجابي. هذا النوع من القراءة للحزب يفيد معها كثيرا القراءة التاريخية والوثائقية لهذه القصة الجميلة ولكن أعتقد أن هذا النوع من الارتباط والقراءة لا يفيدنا كثيرا. الإنسان الذي يبحث عن الإثارة يمكن أن يجدها في هذه القصة ويمكن أن يجدها أيضا في قصص المسلسلات الرومنسة التي تشيع هذه الأيام.
ـ القراءة الثانية: القراءة القيمية:
إذن ما هي الرؤية التي نحاول أن نؤسس عليها هنا، هي القراءة التي نحاول من خلالها أن نكتشف المنطلقات والقيم والمبادئ التي يؤسس عليها حزب الله خطابه وبرامجه ومواقفه وكل بنيته الفكرية والتنظيمية والاجتماعية. هدفنا ليس أن نسرد قصص بل هو الاكتشاف القيمي ومجموعة القيم التي يؤسس عليها حزب الله مشروعه الاجتماعي والسياسي.
لماذا؟ لان ما يربطنا بحزب الله ليس مجرد إثارة حماسية لسيد امتلك الجرأة لمواجهة الشيطان الأكبر ولربيبتها إسرائيل.
فإذن يجب أن يربطنا بحزب الله القيم المشتركة، والمبادئ المشتركة، الفرق بين تجربة حزب الله أن تجربة حزب الله هي موفقة وناجحة في تجسيد هذه القيم وهذه المبادئ في الشأن السياسي والاجتماعي والثقافي.
نحن الهدف الذي نهدف له أن نستلهم هذا التجسيد المبدئي وهذا التجسيد القيمي الذي نجح فيه حزب الله، أن نستلهم منه مزيدا من الوعي القيمي ومزيدا من الإرادة والعزيمة ومزيدا من القدرة العملية على تجسيد هذه القيم، هذا هو الدرس المهم وهذا هو ما نريد أن نصل له.
بعض الإخوة لديهم شعار في كل المشاريع التغييرية في بلداننا وهو شعار “كن في الفتنة كابن اللبون” وهو نفسه من أشد المتابعين لقضية حزب الله وما يقوم به من أجل تحرير الأسرى، يفعل ذلك من باب الإثارة، أما المبادئ والقيم فبينه وبينها بعد المشرقين.
هناك قضية في غاية الدقة أيها الأخوة، يجب أن نحدد ماذا نريد من حزب الله وكيف نرتبط بحزب الله هل هو حماس الإثارة أم هو حماس القيم والمبادئ؟
ـ حزب الله والتجربة الثقافية:
بعد هذه المقدمة، عندما نقول حزب الله والتجربة الثقافية، (الثقافة) هي القيم والأهداف وهي في الجانب الآخر الوسائل والآليات من أجل تجسيد هذه القيم والأهداف، فعندما نقول ثقافة أمة فهي أهدافها وقيمها ووسائلها وآلياتها لتجسيد هذه القيم، هذه هي الثقافة.
فعندما نقول حزب الله والتجربة الثقافية نريد أن نسأل هذا السؤال: ما هي القيم والأهداف التي يؤسس عليها حزب الله مشروعه؟ وما هي الوسائل والآليات التي يوظفها حزب الله للوصول لهذه الأهداف وهذه القيم؟
نستطيع أن نقول أن هذه التجربة فريدة في طبيعة الأهداف وطبيعة القيم التي تلتزم بها وفريدة أيضا في طبيعة الآليات والوسائل التي توظفها، وهذا ما نريد أن نوضحه في هذه المحاضرة إن شاء الله تعالى.
حزب الله تشكل في سنة 1982م في رحم المخاضات الخطيرة التي عاشها لبنان عشية الاحتلال الصهيوني للبنان، رفع حزب الله الكثير من الشعارات لكن أهم شعارين شعار طرد الصهاينة من لبنان وهو الشعار الأولي، ثم تطور وتبلور أكثر بدعم القضية الفلسطينية وتحرير المسجد الأقصى.
فأهم هدفين استراتيجيين هما تحرير الأرض اللبنانية وتحرير الأقصى.
ـ إشكالية وردها:
لاحظوا يا أخوة، الإشكالية التالية، في الحرب الأخيرة قال حزب الله أنني انتصرت، جمهور المقاومة وجزء كبير من الأمة يعتقد أن حزب الله انتصر، هناك قراءة أخرى تعتقد أن حزب الله لم ينتصر.
أريد أن أوضح الفرق بين هاتين القراءتين، عندما نأتي بحسبة بسيطة لمقدار الخسائر ومقدار الربح في معركة حزب الله الأخيرة، ماذا نجد؟ دمرت البنية الاقتصادية للبنان، مليارات الدولارات ذهبت، قتل آلاف الشهداء والضحايا وجرح الآلاف، آلاف المنازل، مئات الآلاف من المهجرين، تصدع وخلاف اجتماعي، وقفت أمريكا بجانب الكيان الصهيوني، وأوربا وبريطانيا والدول العربية كلها أو غالبيتها بصورة صريحة أو ضمنية ضد المقاومة، هذه الخسائر بالمعيار المادي.
ما هي الأرباح التي حققها حزب الله وتعطينا الشرعية كي نقول أن حزب الله منتصرا؟
حزب الله أسر الجنديين من أجل أن يطلق سمير القنطار ورفاقه، فعندما أسر الجنديين حدثت هذه الحرب وهذا التدمير، استطاع حزب الله أن يقاوم هذا الهجوم وفشلت إسرائيل في تدمير حزب الله ولكنها نجحت في تدمير لبنان.
النتيجة أن حزب الله استطاع أن يحرر الأسرى والى الآن مزارع شبعا لم تتحرر، وهنا أريد أن أصل إلى نتيجة...
بالمعيار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وبهذه المعايير المعروفة... حزب الله تكبد هذه الخسائر التي صبت على لبنان.. النتيجة هي تحرير خمسة أسرى.
ما هو المبرر لنعتبر حزب الله منتصرا؟ هذا هو السؤال المهم، ما هو المبرر المنطقي والسياسي لكي نعتبر حزب الله منتصرا؟
صحيح حزب الله دافع عن نفسه لكن لبنان دمر، لم يدمر حزب الله كحزب لكن دمر لبنان، حزب الله استطاع تحرير خمسة من الأسرى لكن في قبال تحرير الأسرى هناك آلاف القتلى، هل تحرر سمير القنطار وأربعة أسرى في قبال آلاف الشهداء وآلاف الجرحى؟
المعادلة بالمعيار المنطقي الظاهري لا توحي بانتصار، هذه القراءة تقول أن هناك مغامرة وليس هناك انتصار، هذه القراءة تقول أنتم من أجل أن تحرروا أسرى دمر بلد، وقتل الآلاف وجرح الآلاف، إذن كيف ندعي ونزعم أن هناك انتصارا؟ بأي معيار بأي ميزان نعتبر أن حزب الله انتصر؟
إذن يا أخوة يجب علينا اكتشاف الطريقة التي يفكر بها حزب الله، القيم التي يؤسس عليها حزب الله رؤيته للنصر والهزيمة.
إلى الآن هذه القراءة وهذا المنطق حزب الله أدخلنا في مهلكة وترتبت مضاعفات كارثية، بعضهم يقول أن لبنان لن يستطيع أن ينهض من هذه الكارثة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلا بعد سنوات، وأنتم تتحدثون عن انتصار، نحن كنا في غنى عن هذا الانتصار. هذه القراءة موجودة وهي التي تتهم حزب الله بالمغامرة.
أكثر من هذا حزب الله يرفع شعار تحرير الأقصى وهذه القراءة تقول ما شغلنا بتحرير الأقصى، وحزب الله لم يستفد كمغانم سياسية بل بالعكس زادت الضغوط السياسية على حزب الله بعد الحرب ولم يحصل على أي مغانم سياسية أو مالية أو اجتماعية، الشعب اللبناني لم يحصل على أي مغانم، 20 سنة من الدماء والتضحيات من أجل إخراج الصهاينة من الجنوب، لكن ما هي المغانم التي حصل عليها شعب المقاومة والشعب اللبناني وحزب الله؟
ـ مناقشة الإشكالية:
إذن يا إخوان هذه منهجية معينة في النظر إلى الأمور نريد أن نناقشها:
في الحقيقة يا إخوان كل من تابع الحرب الأخيرة ويسمع الكلام الذي سأقوله الآن، يسمعه شعار يتكرر على ألسن شعب المقاومة.
ليس كل الأمور بالربح والخسارة المادية، هناك رؤيتان رؤية عقائدية ورؤية إنسانية، الآن أبدأ بالرؤية العقائدية وأتكلم أيضا عن الرؤية الإنسانية.
الآن بحسب الرؤية الإنسانية، لو جئت لأي إنسان في أي بقعة من بقاع العالم وطرحت عليه هذا السؤال:
قضية العزة وقضية الكرامة بالنسبة لك كانسان ماذا تمثل؟ هل تمثل قضية ثانوية في وجودك الإنساني أم تمثل قضية جوهرية في شخصيتك الإنسانية؟ لو أردنا أن نتحدث عن قيمة العزة والكرامة وموقعيتها في شخصية الإنسان، نطرح هذا السؤال على أي إنسان، أنت كانسان بغض النظر عن أي انتماء، كرامتك وعزتك بالنسبة لك هل هي قضية ثانوية أم قضية جوهرية؟
سوف تجيب بأن العزة والكرامة ليست فقط قضية جوهرية، بل إن الإنسان هو العزة، الإنسان لا يمكن أن يكون إنسان إذا جرد وأفرغ من عزته، هذا أي إنسان سيقول لك هذا الكلام سوف يقول لك أني يمكن أن أضحي بكثير من القضايا ولكن لا يمكن أن أضحي بقضية العزة، فوجودي في الحياة مرهون بأن أكون عزيزا، أن أكون إنسانا، أن أكون عزيزا.
ولذلك الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ماذا يقول: «الحياة في موتكم قاهرين» يعني أعزة، إذا متم أعزة فأنتم أحياء «والموت في حياتكم مقهورين» فالإنسان الذليل هو إنسان ميت والإنسان العزيز هو الإنسان الحي، فقضية العزة بالنسبة للإنسان قضية جوهرية في وجوده الإنساني، لا يمكن للإنسان أن يتصور إنسانيته من دون عزته.
الإنسان هل يمكن أن يقايض عزته بالقضايا المادية؟ هل يمكن أن تأتي لإنسان وتقول له نعطيك 1000 دينار، 2000 دينار، 10000 آلاف دينار..الخ في قبال أن تعيش بدون عزة؟ الإنسان الطبيعي هل يقبل؟
فقضية العزة إذن لا يمكن للإنسان أن يحيى بدونها، قضية العزة لا تقايض بأي مكاسب أو خسائر مادية. ولذلك نجد الشعوب على مر التاريخ، الآن خذ الشعب الجزائري قدم مليون شهيد، 130 سنة تقريبا من أجل أن يتحرر من الاستعمار الفرنسي، ربما ماديا وعلميا لو أن الجزائريين ملتحقين تابعين لفرنسا أفضل لهم من أن يكونوا مستقلين من ناحية التقدم العلمي والاقتصادي، ولكن لا يمكن أن تقايض شعبا من الشعوب بحريته وعزته واستقلاله بأي مطامع مادية، يقدم مليون شهيد 130 سنة من الجهاد والتضحيات من أجل الاستقلال من أجل الحفاظ على السيادة.
أرجع لموضوع المقاومة، ما هو منطق المقاومة؟ المقاومة تقول أننا نحن هدفنا تحرير المسجد الأقصى، المسجد الأقصى يمثل عقيدة الأمة وعقيدة الأمة تمثل عزتها فنحن حزب الله المقاومة الإسلامية في لبنان لا نبحث عن عزة حزب ولا نبحث عن عزة طائفة ولا نسعى لعزة شعب، وإنما نسعى لعزة أمة كل الأمة، والأمة ذليلة ومهانة ما دام عقيدتها المتمثلة بالمسجد الأقصى مرتهنة ومحتلة، فنحن من أجل تحرير الأمة من واقع الذل يجب أن نحرر المسجد الأقصى من واقع الاحتلال، بقاء المسجد الأقصى وبقاء أي شبر من بلاد المسلمين محتلا يعني بقاء حالة الذل والهوان في حالة الأمة، هذا المنطق بكل بساطة.
فحزب الله يقول عزة الإنسان.. نحن عندما نقول سمير القنطار فهو عنوان للإنسان، عندما نقول الأرض فالأرض عنوان لعزة الإنسان، القضية ليست سمير القنطار كفرد، سمير القنطار يمثل هذا الإنسان، اعتقال إنسان واحد يعني اعتقال كل الأمة، التفريط في سجين واحد يعني تفريط في كل الأمة يعني القبول بواقع الذل في الأمة.
الخلاصة - يا أخوة - حزب الله يعتقد وأمة حزب الله وجمهور حزب الله يعتقد أن حزب الله انتصر رغم كل هذه الخسائر لأن حزب الله استطاع أن يمرغ أنف الصهاينة في التراب وأن يذل الصهاينة وأنه لأول مرة تستطيع الأمة أن تثبت أنها قادرة على المقاومة وقادرة على الانتصار وقادرة على أن ترفع رأسها عاليا، فالخسائر الاقتصادية والخسائر المادية والخسائر البشرية كل هذه الخسائر هي تمثل ثمن طبيعي وتضحية منطقية من أجل وصول الأمة لقضية العزة، والعزة قيمة معنوية لا يمكن مقايضتها بأي ثمن وتهون في سبيلها التضحيات.
ـ قضيتان من واقعنا المحلي:
لذلك يا إخوان هذا المنطق الذي يرسخه حزب الله يجب أن نتأمل فيه جيدا، أنا فقط أريد أن أتوقف عند قضيتين ترتبط بواقعنا المحلي:
(1) القضية الأولى قضية الأخوة المعتقلين المؤمنين لاسيما في قرية كرزكان، وأسأل الله سبحانه أن يفرج عن إخوتنا المؤمنين فرجا عاجلا قريبا كلمح البصر أو هو أقرب من ذلك. إن جرح هؤلاء المؤمنين هو جرحنا جميعا، ألمهم، غربتهم، وحشة المعتقلات نعيشها نحن بكل مشاعرنا، نسأل الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر العظيم أن يفرج عنهم فرجا عاجلا وأن يخفف عن أهلهم جميعا.
(2) القضية الثانية كان حديث حول الانتفاضة المباركة في هذا البلد المبارك، ونفس هاتين القراءتين طبقتا على هذه الأحداث، هناك قراءة تقول ماذا خرجنا من هذه الانتفاضة هناك شهداء هناك معتقلون هناك منفيون هناك وهناك وهناك، بماذا خرجنا؟
يا إخوان نحن اليوم جميعا ولا أعتقد أن هناك شخص في هذا المأتم لا يقول أنا معجب بحزب الله، أنا أقول يا إخوان من يدعم من يحمس من يتفاعل مع هذه التجربة يتفاعل مع قيمها لا يتفاعل مع السيد حسن نصر الله كاسم لا يتفاعل مع هذا الحزب كاسم وكقصة، المفترض فينا أن نتفاعل مع القيم وهذه الرؤية القيمية التي تؤسس مشروع حزب الله.
الانتفاضة المباركة في البحرين صدقوني يكفي أن شبابنا المؤمن وهذا المجتمع البطل في تلك الأيام كان يرفع شعار “لن نركع إلا لله” هذا شعار العزة، يكفي أن مجتمعنا تطور في وعيه ومشاعره ووصل إلى درجة أن المعادلة القيمية أصبحت لديه أهم من المعادلة المادية فأصبح مستعد للتضحية، يتحمل الجراح في سبيل شيء من العزة شيء من الكرامة شيء من العدالة.
الأمة والشعب الذي يصل لهذا المستوى من التطور المعنوي هذا شعب عظيم ولا يجوز له أن يتنكر لهذا المجد الكبير وهذا التطور الكبير.
لذلك شعب المقاومة والمقاومة الإسلامية في لبنان تقدم لنا هذا الدرس أن هذه الحياة ليست مجرد معادلات مادية وأكل وشرب ونوم، وإنما هي قيم معنوية، وأننا في بعض الأحيان من أجل تجسيد هذه القيم، قيمة مبدأ العدالة أو العزة والكرامة أو حتى الحرية نحتاج أن نقدم بعض التضحيات وهذه التضحيات تكون رخيصة في سبيل تحقيق الإنسان لعزته وكرامته، هذا الدرس العظيم الذي لم يفهمه الكثيرون واعتبروا أن حزب الله هزم وأن لبنان دمر لكن في الحقيقة الغالبية الساحقة في الأمة لأول مرة تشعر بشيء من العزة. صحيح شهداء سقطوا وجرحى وخسائر لكن لأول مرة تتذوق الأمة طعم الانتصار والعزة، هذا الشعور لا يقدر بثمن.
ـ شعور بالتبعية وشعور بالاستقلال:
وباختصار نحن في ثقافتنا الإسلامية، رسول الله (ص) يقول في القرآن الكريم في سورة آل عمران: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ﴾، الإنسان لديه شعوران شعور بالتبعية وشعور بالاستقلال، شعورين متضادين، شعور التبعية يجعل الإنسان باحثا عن الانتماء عن جهة ينتمي لها، وشعور الاستقلال يجعل الإنسان باحثا عن الحرية والعزة والكرامة.
نريد أن نفسر هذين الشعورين بتفسير عقائدي، علماؤنا مفكرونا ماذا يقولون؟
يقولون: شعور الانتماء لدى الإنسان هو في الحقيقة شعوره بالانتماء لله سبحانه وتعالى شعوره بالتبعية والعبودية لله سبحانه، ولا يجوز للإنسان أن يوجه هذا الشعور تجاه أي جهة غير الله سبحانه وتعالى وهذه مسألة في غاية الدقة. أما شعور الاستقلال فهو الشعور الذي يجب على الإنسان أن يوجهه تجاه كل ما عدا الله سبحانه وتعالى.
لاحظوا الآية التي تلاها رسول الله (ص) ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ﴾ فجميعنا ننتمي إلى الله نعبد الله هذا شعور التبعية شعور العبودية شعور الذل. نحن في داخلنا لدينا دافع لأن نكون منتمين أذلاء لجهة من الجهات وهي الله سبحانه وتعالى، ﴿وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ﴾ هذا هو شعور الاستقلال، فشعور الاستقلال والعزة هو بالنسبة لكل ماعدا الله سبحانه وتعالى.
طبعا غير الموحدين يشتبهون فعندما يأتون إلى الله يحاولون أن يكونوا أعزة ومستقلين وعندما يأتون لغير الله يحاولون أن يكونوا عبيدا، يعكسون القضية، يشتبهون في تطبيق مشاعرهم، القرآن الكريم يقول جوهر الإنسان في هذين الشعورين أنه يعبد الله، وعزيز وحر وكريم أمام غير الله سبحانه وتعالى.
لذلك العقيدة الإسلامية ليست مجرد عقيدة نظرية وإنما يؤسس عليها مشروع اجتماعي وسياسي يقوم على ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ﴾ أي العبادة لله، والعزة والكرامة بالنسبة للناس بعضهم لبعض لغير الله سبحانه وتعالى.
ـ الوسائل والأساليب لتجسيد حزب الله القيم والأهداف:
لذلك أسأل هذا السؤال بعد أن اتضحت القيم المعنوية والأهداف التي يؤسس عليها حزب الله مشروعه: ما هي الوسائل والأساليب لتجسيد هذه القيم والأهداف؟
ـ أيضا هناك رؤيتان، هناك منهجيتان في العمل السياسي:
هناك منهجية تنظر لمعادلة العمل السياسي بنظرة مادية فترى أن هناك قوى مهيمنة على الواقع السياسي مثلا الآن أمريكا هي قوة مهيمنة على الواقع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي ونحن كسياسيين إذا أردنا أن نحقق أهدافنا فيجب أن يكون الرهان على هذه القوى لأنها تملك القوة المادية.
ولذلك تجد منهجية في العمل السياسي تقوم على هذه الفكرة أن الوصول للمكاسب السياسية تكون بتوثيق العلاقة مع أهل القوة والاقتدار وهي أمريكا اليوم، والإعراض عن الضعفاء والمستضعفين لأنهم لا يخدموننا من أجل الوصول للمكاسب، هذه النقطة الثانية، والنقطة الثالثة في التلون والواقعية السياسية بحسب الظروف وبحسب المعطيات الموضوعية، اليوم عندي موقف غدا عندي موقف آخر لأن القضية قضية مصالح وكما يقول السياسيون “لا يوجد صداقات دائمة ولا يوجد عداوات دائمة”.
إذن هناك قوى مهيمنة هناك ضعفاء ومستضعفون لا قيمة لهم، وهناك استسلام للواقع، تعايش وبرغماتية مع الواقع وهناك تلون وتقلب بحسب ما يقتضيه هذا الواقع، هذه منهجية في العمل السياسي، لكن هذه المنهجية حزب الله لا يؤمن بها.
ـ المبادئ التي يؤسس عليها حزب الله مشروعه:
وهناك منهجية أخرى يؤصل لها القرآن الكريم ويجسدها حزب الله خير تجسيد، ما هي هذه المنهجية في العمل السياسي؟
المبدأ الأول: التوحيد العملي:
هذه المنهجية تقوم على فكرة التوحيد العملي، بأي معنى؟ بمعنى أن معادلة القوة والضعف لا تحكمها القوى المهيمنة على الواقع السياسي، وإن كانت لها دور في الواقع السياسي ولكن المعادلة الحاسمة إنما تحسمها المقدرة الإلهية ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾.
فإذن معادلة القوة والضعف هي بيد جبار السماوات والأرض، وهذه المنهجية في العمل السياسي تؤمن بالمدد الغيبي في العمل السياسي والاجتماعي والعسكري، فلا تراهن على القوى المادية فقط، تراهن على جزء من القوى المادية ولكنها تراهن بصورة كبيرة وكبيرة وكبيرة على المدد الغيبي فترى أن معادلة الهزيمة والانتصار معادلة القوة والضعف ليست حصرا بيد القوى المهيمنة وإنما هي بيد جبار السماوات والأرض.
ولذلك فإنها تعتقد بأن استنزال النصر الإلهي يستدعي منها توثيق الرابطة العرفانية والتوحيدية بجبار السماوات والأرض، تحاول أن تتسامى لأرقى درجات العلاقة التوحيدية والروحية والعرفانية في العلاقة مع الله من أجل أن تكون مؤهلة لألطاف الله ورحمات الله ونصر الله، فمعادلتها هي مع الله سبحانه وتعالى مع جبار السماوات والأرض.
المبدأ الثاني: الاعتماد على المستضعفين:
هذا جانب والجانب الثاني فإن مصدر القوة الثاني هم المستضعفون وأمة حزب الله كما يعبرون، بعد الله سبحانه وتعالى هؤلاء المستضعفون هم القوة التي يستندون لها في التغيير.
والمبدأ الثالث هو مبدأ أن لا علاقة مع قوى الاستكبار، عكس المنهجية الأولى تماما.
والمبدأ الرابع هو أن العمل السياسي هو عمل المقاومة ولا يجوز الاستسلام لقوى الانحراف، يعني بدل
الاستسلام والواقعية هناك المقاومة التي يعبر عنها القرآن بالجهاد.
والمبدأ الخامس المبدئية ورفض التلون.
فلدينا مجموعة من المبادئ تشكل منهجية حزب الله، المبدأ الأول التوحيد العملي والمبدأ الثاني الاعتماد على المستضعفين والمبدأ الثالث رفض العلاقات والارتهان للاستكبار المبدأ الرابع المقاومة ورفض الاستسلام لخط الانحراف المبدأ الخامس الثبات والمبدئية.
كل هذه المبادئ التي تشكل منهجية حزب الله في العمل السياسي ترتكز جميعا على التوحيد العملي، أقول هذه هي النقطة المهمة جدا.
أكلمكم عن نفسي الآن يمكن لي أن أقول مئة مرة الموت لأمريكا وأرفع شعارات شبيهة ما شاء الله من المرات، ولكنني - وهنا الفيصل - إذا كان ارتباطي بالله وتوحيدي لله توحيد نظري، نظريا فقط أؤمن أن الله هو مدبر
هو مسير هو مالك هذا الوجود، ولكنني عمليا ووجدانيا وشعوريا لا أعتقد أن الله هو مالك الوجود، نظريا أؤمن بذلك لكن عمليا أخاف من أمريكا أكثر من خوفي من الله أعتقد أن أمريكا هو المالك والمؤثر أكثر من اعتقادي أن الله هو المالك والمؤثر، أتوقع وآمل من فلان وفلان أن يدعمني وأن يحقق لي الانتصار أكثر من تأميلي وتوكلي على الله... إذا كنت بهذا المستوى شعاراتي لن تفيدني وسوف أنقلب على هذه الشعارات في نهاية المطاف.
الجوهر هو أن الإنسان يملك توحيد عملي أو لا يملك توحيد عملي، أن توكله وخوفه ومحبته وأمله في الانتصار هو عند الله أو هو عند غير الله، الشعارات لا تكفي، فإذا كان لديه ضعف في ارتباطه التوحيدي العملي بالله فلن يكون قادر على الاستمرار في المعركة.
ـ الفئتان في القرآن الكريم:
القرآن الكريم يتحدث عن هاتين الفئتين في سورة المائدة ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ﴾ أي في اليهود والنصارى أي يرتهنون لهم ﴿يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ﴾ يخشون من الهزيمة يخشون من الأضرار يخشون منهم ولا يخشون من الله سبحانه وتعالى ﴿فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ﴾.
الآن القرآن يتحدث عن الفئة الثانية:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾. وهذه أول صفة لهم وهذا هو التوحيد العملي العرفاني وهذا هو المبدأ الأول، ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ أعظم تعبير على الاندماج مع المستضعفين هو أذلة على المؤمنين، ﴿أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ الخصومة للاستكبار، ﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ مبدأ المقاومة ورفض الاستسلام، والجهاد في القرآن هو المقاومة العسكرية أو غير العسكرية، ﴿وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ﴾ الثبات ورفض التلون والمساومة، ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
الآن المبدأ السادس وهو القيادة الربانية:
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾، هذه القيادة، ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة 52 - 56).
إذن - يا إخوة - حاولت بصورة مختصرة أن أتحدث عن أهم القيم الثقافية والمعنوية، ومنهجية وأسلوب العمل عند حزب الله.
الأسئلة والإجابات:
س: هل دائما يكون حال أمة حزب الله هو المواجهة والتصدي في كل الأزمنة والعصور، أم أنه في بعض الحالات يكون لها دور آخر؟
ج: بالنسبة لسؤال الأخ العزيز هذا سؤال مهم، بحسب نصوص القرآن الكريم وبحسب الروايات أيضا فإن الطابع العام للمجاهدين والقرآن الكريم يعبر عنهم بحزب الله، وبعض الآيات تبين أن كل المتقين هم مجاهدون، فالمتقون والمجاهدون كما يؤصل لذلك القرآن دائما يؤكد أن المجاهدين هم رواد التغيير هم رواد المشروع التغييري والإصلاحي، فما دام لديهم قدرة على التغيير لا يتنازلون عن مشروع التغيير.
المجاهدون في القرآن الكريم لهم حالتين:
* إما أن لهم القدرة المادية الفعلية على بلورة وتدشين وإطلاق المشروع التغييري فهم فعلا يبدؤون بالمشروع التغييري ويقدمون التضحيات.
* وإما أنهم فعلا أنهم غير قادرين فإنهم يهيئون المقدمات والشروط من أجل تدشين هذا المشروع.
من خلال النصوص نصل لهذه النتيجة أن المجاهدين المؤمنين الواقعيين إما أنهم يتوفرون على الشروط الفعلية العددية والكمية للتغيير لتدشين المشروع التغييري فهم لا يتنازلون عن المشروع التغييري، وإما أنهم لا يملكون الشروط الكمية والكيفية فإنهم يسعون لتوفير هذه الشروط من أجل تدشين المشروع التغييري.
عندما ندرس تجربة أهل البيت عليهم السلام نجد أن كل حياتهم هي تهيئة للشروط الموضوعية لبلورة المشروع التغييري.
س: هل تؤيدون تأسيس حزب الله في جميع الدول وخصوصا البحرين، وهل تجدون مقومات لذلك؟
ج: طبعا - يا إخوة - مصطلح حزب الله في الأساس هو مصطلح قرآني وهو مصطلح روائي في بعض الروايات، فهناك مجموعة من المبادئ تحدثت عنها.
حتى مصطلح الجهاد لدينا بعض الإشارات القرآنية أنه لا يختص بالجهاد العسكري، كل مقاومة للانحراف، مقاومة شديدة سلمية أو عسكرية فهي جهاد.
لدينا إشارات في القرآن الكريم تشير أن الجهاد في القرآن ليس مختصا بالعمل العسكري وإنما هو مفهوم أوسع يستوعب كل عمل مقاوم، الآن لو أسسنا مقاومة ثقافية لانحراف فكري أو عقائدي هذا يعتبر جهاد، فكل عمل مقاوم لانحراف ما فهو جهاد.
لذلك هناك مجموعة من المبادئ التي قدمها القرآن ونحن تلونا الآيات القرآنية، فكل حركة وكل فئة تؤمن بهذه المبادئ يمكن اعتبارها منتمية لحزب الله بالمعنى القرآني وليس بالمعنى السياسي الحالي.
والحمد لله ربّ العالمين
احدث الاخبار
العميد جلالي: بنيتنا التحتية الصاروخية تحت الأرض سليمة ولم تمس
برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام
خطيب جمعة طهران: صمود المقاومة الإسلامية هو ثمرة التأسي بمدرسة القرآن الكريم
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية