Skip to main content

البحرين والحوار المستحيل

التاريخ: 03-07-2011

البحرين والحوار المستحيل

بعد أن أيقنت السلطة في البحرين وأمام صمود الشعب البحريني بعبثية الخيار الأمني مع ارتفاع كلفته سياسيا وأخلاقيا، هاهي تلجأ إلى الحوار لتسوّق طاولته إلى الخارج ولشق الصف المعارض في الداخل

بعد أن أيقنت السلطة في البحرين وأمام صمود الشعب البحريني بعبثية الخيار الأمني مع ارتفاع كلفته سياسيا وأخلاقيا، هاهي تلجأ إلى الحوار لتسوّق طاولته إلى الخارج ولشق الصف المعارض في الداخل.

 

لم يكن مفاجئا في البحرين وبعد أن أطلقت السلطة آلة العنف والقمع على وتيرتها القصوى، وشرعت الأبواب أمام قوات درع الجزيرة لتسحق انتفاضة الشعب البحريني من أن تبادر إلى نصب طاولة الحوار ودعوة جميع أبناء الوطن إلى ما أطلقت عليه "حوار التوافق الوطني" ومن دون شروط مسبقة للدفع؛ وبحسب ما جاء في تصريحات رسمية؛ نحو الإصلاح وتجاوز الآثار العميقة التي خلفتها الاحتجاجات الأخيرة في البحرين.

 

وفيما تبرز لغة الخشب ذهبت السلطة إلى تصوير هذا الحوار بأنه يعدّ "طريقا مثمرا لتجاوز التحديات وتحقيق المزيد من المكاسب والإنجازات، ودعم المشروع الإصلاحي والمسيرة الديمقراطية لمملكة البحرين وشعبها".

 

لم يكن ذلك مفاجئا البتة لأن السلطة كانت تدرك ومنذ لحظة لجوءها إلى العنف في التعامل مع الحركة المطلبية للشعب البحريني في فصلها الجديد، بأن خيار العنف لا يمكن أن يحل المشكلة كما لا يمكن التعويل عليه في شطب مطلب التغيير من الشارع البحريني، ولم يغب عن السلطة أيضا أنّ كسر إرادة شعب تشكل عاشوراء إحدى مكونات ثقافته يبدو أمرا مستحيلا.

 

وعلى الرغم من التعتيم الإعلامي على مشهد العنف الأعمى والحاقد الذي غرقت فيه البحرين، فقد افتضحت جرائم السلطة وواجهت حرجا شديدا أمام بعض الرأي الدولي اليقظ والذي أدان واستهجن كلّ ذلك الإفراط في استعمال القوة بحق مواطنين يعبرون عن مطالبهم السياسية بأسلوب سلمي وحضاري.

 

وعوض أن يؤدي عنف السلطة وإجراءاتها الانتقامية السخيفة إلى كسر إرادة المواطنين وإلحاق الهزيمة النفسية بقوى المعارضة كما راهنت على ذلك، وجدت السلطة نفسها في مأزق؛ فقد أدى العنف مفعوله العكسي حيث اتسعت دائرة الرافضين لأي حوار أو تسوية مع نظام لم يجاوز المدى في القمع والتنكيل بل تظاهر على الشعب بقوات أجنبية أطلق لها العنان في استباحة الوطن وإذلال شعبه وانتهاك مقدساته، وها هو القمع وانسداد الأفق وغباوة النظام يحفز المواطنين على التظاهر يوميا، ولازال الإيمان بالتغيير يشكل وقود هذه الحركة الشعبية المميزة في مسيرة نضال الشعب البحريني وكفاحه من أجل حقوقه السياسية.

 

من تجربة العنف الأعمى تهالك النظام وانتهى إلى إفلاس سياسي وأخلاقي سيقوده إلى مطارح التاريخ كواحدة من أبشع نماذج الاستبداد التي مرت على أمتنا في الأزمنة الحديثة.

 

فعند الاحتكام إلى آلة القمع قدّر النظام أنه يؤجل دفع استحقاقات التغيير السياسي الذي طالب به الشعب في تظاهراته المشهودة. وفي الدعوة إلى الحوار يسعى النظام ـ وبشكل يائس ـ لتبييض صورته، ولتحجيم سقف المطالب السياسية لقوى المعارضة وتسويق الحوار للخارج مراهنا على استثمار مائدته وما يمكن أن يتمخض عنه باصطناع وفاق مزعوم يقصر أمامه درب العودة إلى نفس الوضع السياسي السابق وإن ببعض التحسينات المخادعة، وبما يساعده على استدراج الرساميل التي طارت من البحرين نحو بيئات أكثر أمانا واستقرارا.

 

ولأن النظام يتصرف في موضوع الحوار على طريقة المنتصرين ولأجل الاستثمار السياسي الخارجي، فهو لم يجد ضرورة لإشفاع دعوته هذه للحوار بتخفيف حالة الاحتقان السياسي والأمني، وباتخاذ جملة من مبادرات حسن النيّة التي قد تبرّر لمن يشارك فيه جلوسه إلى مائدة الحوار.

 

وفي هذا السياق قد يبدو قرار "جمعية الوفاق الوطني الإسلامية"؛ التي تمثل التيار الشيعي المعارض في البحرين؛ بالمشاركة في الحوار قرارا متعجلا، فليس مقبولا في هذه المرحلة الدقيقة أن يتبلور القرار السياسي على أساس من الاعتبارات الشكلية، كأن نقدم أنفسنا بأننا طلاب حوار وأننا معنيين بالحل السياسي للأزمة، أو بأننا لسنا عدميين.. فالجلوس إلى الحوار قرار سياسي على قدر كبير من الخطورة، ويجب أن يكون نابعا من قناعة الشعب و معبّرا عن ميله، ومتناغما مع قناعته في أن هناك توجها جديا ـ إن وُجد ـ للاستجابة لمطالبه، كما أن الجلوس إلى طاولة الحوار يحتاج إلى ثمن سياسي مسبق يدفعه صاحب الدعوة للحوار(أي السلطة)، كما يتوقف على ضمانات وعلى ما يبعث على الاطمئنان من نوايا الطرف الآخر وجديته.

 

وكل هدا لا يبدو أنه شكل منطلقا لقرار "الوفاق" في الانضمام إلى هذا الحوار الذي دعت إليه السلطة بعدما وجدت نفسها في مأزق الخيار الأمني وتبعاته السياسية والاقتصادية والإقليمية.

 

فأي صوت سيسمع لجمعية "الوفاق" بين حوالي ثلاثمائة ممثل عن حركات سياسية وجمعيات مختلفة بحرينية دعيت إلى هذا الحوار الذي تغيب عنه السلطة، و يُكتفى فيه برفع تقرير عن مناقشاتها إلى الملك الذي سيقرر وحده ومن طرف واحد طبيعة الإصلاحات المتوجب إجراؤها.

 

ومع استجابة الوفاق ومشاركتها في هذا الحوار من حقنا أن نخشى من تداعيات هذا القرار على وحدة الصف المعارض، خاصة أنّ الآلة الإعلامية للسلطة لن تتأخر في صياغة خطاب يقسم المعارضة إلى فريق جدي وآخر لا يبحث إلاّ عن التأزيم والتصعيد.

 

كنا نتمنى أن تتعمق أزمة النظام وعزلته الداخلية أكثر فأكثر، وأن تُقاطع دعوته إلى الحوار  المغشوش حتى يقتنع بدفع كلفة التغيير واستحقاقاته خضوعا لإرادة شعب لم يتعب من العطاء والتضحية، ولازال يعلن أن حركته لها اتجاه واحد، وواحد فقط، وهو الاتجاه نحو بحرين يكون فيها الشعب هو مصدر السلطات وصاحب الحقوق الغير القابلة لأية مساومة.

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة