Skip to main content

كل عام وأنت حرٌ أبيّ يا أبانا

التاريخ: 30-05-2011

كل عام وأنت حرٌ أبيّ يا أبانا

في 26 أيار/ مايو كانوا على الموعد، فاليوم ذكرى ميلاد والدهم، كلّ شيء أصبح جاهزًا، حتى قالب الكعك الذي طُبعت عليه صورته أصبح هنا، استعَدوا للذهاب فالاحتفال هذه السنة لن يكون في منزلهم

في 26 أيار/ مايو كانوا على الموعد، فاليوم ذكرى ميلاد والدهم، كلّ شيء أصبح جاهزًا، حتى قالب الكعك الذي طُبعت عليه صورته أصبح هنا، استعَدوا للذهاب فالاحتفال هذه السنة لن يكون في منزلهم. الوادع، سيكون هناك، حيث تحلق الأرواح وترتاح من أسر الدنيا، حيث الأنفس تُودَع بأسرارها، أقاموا حفلهم هذه السنة بالمقبرة.. فوالدهم أضحى شهيداً.

 

إنهم أبناء الشهيد البطل عبد الرضا بوحميد الذي أُستشهد بسبب طلق ناري أصابه بالرأس في يوم الجمعة الموافق 18 شباط/ فبراير 2011 وفاضت روحه إلى بارئها بتاريخ 21 شباط/فبراير، أذهلتنا شجاعته فهو الذي قطع على نفسه عهدًا بفتح دوار اللؤلؤة بعد أن سيطر عليه الجيش، وبعد انتهاء مسيرة تشييع الشهيد علي المشيمع توجه الشهيد عبد الرضا وجمع من الشباب لفتح الدوار، واجهوا الدبابات بصدورهم العارية وهم يهتفون "سلمية.. سلمية" ولكن من الواضح أن هذا الجيش لا يفهم إلا لغة الرصاص، فسقط عبد الرضا جريحًا، وفُتِح الدوار.

 

من هو هذا الشجاع البطل الذي واجه الدبابات بصدره العاري، من تُرى هو ذلك الشاب الذي سقط جريحًا، من الذي أعاد فتح دوار اللؤلؤة بإرادته الصلبة؟ أمام هذه التساؤلات قمت بزيارة خاطفة لمكان سقوطه، بالقرب من دوار اللؤلؤة. هناك كان يقف أحد الشهود على الحادث، إذ كان برفقة الشهيد، تحدث إلينا بنبرة حزينة.. بغصة.. بحرقة.. بألم، وهو ذلك الرجل الوقور الذي صبغ الشيب بعض شعره ولحيته، تعجز الكلمات عن وصف ذلك المشهد، تحدث إلينا وعيناه مغرورقتان بالدموع حاملا صورة الشهيد، وينظر لما تبقى من بقايا الدم تصبغ الطريق، ذلك هو طريق الحرية.

 

التقطت بعض الصور لمكان سقوطه جريحًا ودعوت الله أن يمن عليه بالشفاء، لكن شرف الشهادة كان بانتظاره، فمع لحظة عودتي للبيت أًعلن نبأ استشهاده. وأمام كل تلك المشاهد جاءت زوجته لتكمل مشهد الشجاعة بصبرها، رفعت كفيها مبتسمة، ولكأن لسان حالها يقول: اللهم تقبّل منا هذا القربان، بكى الجميع لحظة إعلان خبر استشهاده حتى الطاقم الطبي المشرف على علاجه إلا زوجته. كما أذهلنا الشهيد بشجاعته أذهلتنا هي بصبرها، وقفت كالنخلة الشماء تظلل على جسد زوجها الشهيد، وقالت: منحتني في ختام حياتك شرفاً لم أكن أحلم به يوماً.

 

في يوم الخميس (26/5/2011) اجتمع الأبناء الثلاثة عند ضريح والدهم، حملوا الكعكة وأشعلوا الشموع، ذهبوا ليقولوا كل عام وأنت حرٌ أبي يا والدنا، قد رسمت لنا درب الحرية وطريق الإباء، أنت الشمعة التي تضيء طريقنا لاسترجاع حقوقنا المسلوبة لنحيا بكرامة، وكأنما والدهم يجيب قولوا يا أبنائي إلى جيش بلادي: إن روحي ها هنا تشهد جرمك وإن الدمَ من جرحيَ لا يكتب نصركْ.. إنه يحفر فوقَ الصخرِ ميلادي، وقبرك!

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة