Skip to main content

الإمام الخميني وكرامة الإنسان

التاريخ: 11-03-2009

الإمام الخميني وكرامة الإنسان

الإمام الخميني وكرامة الإنسان في منظومة نظام الكون غير المتناهية والزاخرة بالأسرار والرموز، ثمة ظاهرة تستحوذ على اهتمام الإنسان أكثر من أي شيء آخر ألا وهي: «معرفة الإنسان نفسه»  ونظراً إلى أن معرفة الإنسان، بصفته اعقد ظواهر عالم الخليقة، ذا صلة وثيقة بمعرفة مبدأ الوجود ومنتهاه، لذا كان اكتساب هذا العلم على الدوام أحد أكثر العلوم النافعة التي اهتم بها مفكرون كبار أمثال الإمام الخميني «قدس سره» آمن الإمام الخميني بأن الإنسان كائن معقد ليس بوسع أحد إدراك كنه وجوده ومعناه الحقيقي غير الملهمين ممن حظاهم الله تعالى بنعمة الإلهام واكتساب العلوم الربانية يهتم هذا البحث على نحو الإجمال، بدراسة شخصية الإنسان في ضوء آراء وأفكار الإمام الخميني «قدس سره» من خلال ثلاثة محاور هي:كينونة الإنسانية، وحركية الإنسان، وابرز سماته النظرية كينونة الإنسانية أولاً: ينظر الإمام الخميني «قدس سره» إلى الإنسان بمثابة كائن جامع«1» يتمتع بكافة مراتب الوجود سواء العينية والمثالية والحسية، وينطوي في كيانه عالم الغيب والشهادة«2»

الإمام الخميني وكرامة الإنسان

في منظومة نظام الكون غير المتناهية والزاخرة بالأسرار والرموز، ثمة ظاهرة تستحوذ على اهتمام الإنسان أكثر من أي شيء آخر ألا وهي: «معرفة الإنسان نفسه»

 ونظراً إلى أن معرفة الإنسان، بصفته اعقد ظواهر عالم الخليقة، ذا صلة وثيقة بمعرفة مبدأ الوجود ومنتهاه، لذا كان اكتساب هذا العلم على الدوام أحد أكثر العلوم النافعة التي اهتم بها مفكرون كبار أمثال الإمام الخميني «قدس سره»

آمن الإمام الخميني بأن الإنسان كائن معقد ليس بوسع أحد إدراك كنه وجوده ومعناه الحقيقي غير الملهمين ممن حظاهم الله تعالى بنعمة الإلهام واكتساب العلوم الربانية

يهتم هذا البحث على نحو الإجمال، بدراسة شخصية الإنسان في ضوء آراء وأفكار الإمام الخميني «قدس سره» من خلال ثلاثة محاور هي:كينونة الإنسانية، وحركية الإنسان، وابرز سماته النظرية

كينونة الإنسانية

أولاً: ينظر الإمام الخميني «قدس سره» إلى الإنسان بمثابة كائن جامع«1» يتمتع بكافة مراتب الوجود سواء العينية والمثالية والحسية، وينطوي في كيانه عالم الغيب والشهادة«2».

 يؤمن سماحة الإمام بأن الإنسان مولود عالم الطبيعة وينتمي إلى الماء والتراب، وقد إنغرس حب الدنيا في قلبه منذ بداية نشوئه«3». هذا من جهة، ومن جهة أخرى هو «وليد علم الأسماء»«4»، فإذا ما نهل من معين العقل الصافي ورحيق الوحي المختوم«5»، كان شجرة طوبي التي ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾«6»

و هذا يعني أن قلب الإنسان هو بمثابة مرآة ذي وجهين، يتجه الأول باتجاه عالم الغيب حيث تتجلي فيه الصور الملكوتية. فيما يتجه الوجه الآخر صوب عالم الشهادة وتتجلي فيه الصور الملكية«7».

ولهذا ومثلما تشكل الغفلة عن المنزلة السامية «الجانب المعنوي والذاتي» للإنسان، انحرافاً تترتب عليه اضراراً جسمية؛ فإن إهمال المنزلة الدانية «الجانب المادي والظاهري» للإنسان يعتبر أيضاً غير صحيح وتترتب عليه مضار عديدة.

ونظراً لأن المذاهب المادية عاجزة عن إدراك ما وراء هذا العالم بما في ذلك ما وراء طبيعة الإنسان ولا تؤمن سوى بالبعد الحسي للإنسان فحسب، لذا فهي ترى نمو الإنسان وتطوره من منظار الإدراكات المادية والأمور العينية«8». وفيما يؤكد التصور الباطل لهذه المذاهب على أن الأمر العيني لا يتعدى عالم الطبيعة، فإننا نجد عالم الطبيعة أكثر عوالم الوجود وضاعة، وأن ثمة عوالم أخرى كثيرة، غير عالم المادة، تمتلك حظاً أوفر من العينية مقارنة بعالم الطبيعة «9».

ثانياً: الكينونة الإنسانية تتجلى في روح الإنسان وليس في جسده«10».  وانطلاقاً من هذا الأصل القويم يرى الإمام الخميني «قدس سره»:

ألف: إذا كان روح الإنسان سالماً وحراً وقوياً، فلا خشية من مرض جوارحه وأعضاء بدنه«11»، لأن الحياة الروحية مقدمة على جميع أبعاد الحياة الأخرى.

ب:  نظراً إلى أن الخلود يختص بالروح المجردة، والفناء من نصيب الجسد المادي لذا فإن كل ما هو زائل وليس له حظ في البقاء لا يمكن أن يكون معياراً للسعادة، لأنه يتخلى عن الإنسان ويهجره لدى موته.  وعليه فإن ما يميز الأشخاص عن بعضهم البعض يكمن بالضرورة في طهارة الذات والجوهر.

ج: إن أعمال الإنسان التي تتسم بالحسن والقبح، والصلاح والفساد، والفضيلة والرذيلة ؛ إنما هي وليدة أبعاده الروحية. فالأعمال بحسب الظاهر لا تختلف كثيراً عن بعضها البعض، وأن ما يميزها: النيات، والمقاصد، والأغراض والدوافع والغايات، التي تعكس في الحقيقة روح العمل«12». ولعلّ هذا ما دفع علماء الأخلاق للقول: إن حسن أثر الأفعال أو سوء تأثيرها في روح الإنسان يكون رهن «النية» وليس تحقق ذات العمل.

د: إن الاكتفاء بتلبية الاحتياجات الجسدية وقضاء الحوائج المادية، ليس فقط لا يطفئ ظمأ الإنسان الأصلي المتمثل في ظمئه الروحي، ولن يهدأ من قلقه واضطرابه؛ وإنما يقود إلى مسخ الإنسان أيضاً.

ثالثاً: إن تحقق وجود باسم «إنسان» هو حصيلة تلازم الروح والجسد، حيث يرتكز الأول إلى عالم الطهر، فيما يستند الثاني إلى عالم التراب.

وبناءً على أصالة الروح وتوجهاته، وفرعية الجسد وتبعاتها، ذم الإمام الخميني «قدس سره»، بصفته أحد كبار أتباع مدرسة التوحيد والأنبياء الإلهيين، المكان الطبيعي لبدن الإنسان المتمثل في عالم الشهادة. ويتضح سر هذا الذم للجميع عند ظهور سلطان الآخرة، وتجلي الحقيقة بعد زوال الحجب عن رؤية القلب، وإفاقة الأبصار من نوم الغفلة، ونهوض الأرواح من مقبرة الجهالة «13».

وفي مقابل ذلك اثنى سماحته على منزلة الروح العينية للإنسان، التي هي تجسيد لعالم الغيب، لأنه «قدس سره» يري الكمال النهائي للإنسان، والذي يمثل الهدف الغائي من خلق الإنسان، ليس أكثر من عروج طائر الروح القدسي إلى عالم الملكوت ولقاء الله. وما لم يتخل السالك عن حبه للشهوات الدنيوية، ويتحرر من سجن الطبيعة المرعب، وما لم يطهر قلبه بنبع العلوم الروحانية وتنتفي الأنانية نهائياً من وجوده، لن يتسنى له مشاهدة جمال المحبوب من دون حجاب وإلى حد الإطلاق«14»ز

ويؤمن سماحته «قدس سره» بأن الهدية الفريدة التي حمل لوائها الأنبياء الإلهيون «عليهم السلام» عموماً، ونبي الإسلام الأكرم «صلي الله عليه وآله وسلم» بشكل خاص، والتي أنزلت من عالم العلم الإلهي إلى عالم الملك؛ لن تتطلع إلى أكثر من تحرير السجناء ممن قيدتهم أغلاق سجن عالم الطبيعة «15».

حركية الإنسان

أولاً: يرى الإمام الخميني «قدس سره»، بأن الإنسان ولكونه يتمتع بكافة الخصائص الأخلاقية الممدوح منها والمذموم على حد سواء منذ ولادته بما يتناسب مع استعداده ومؤهلاته، ويتحلى بالقدرة على اكتساب الملكات الصالحة والرذيلة «16». هذا من جهة. ومن جهة أخرى، أن مجموعة قواه الباطنية بما فيها قواه الفكرية وتوجهاته الفطرية والطبيعية «17»، وتبعاً لذلك استعداده للتربية، ليس لها حدود وغير متناهية  لذا فهو كائن عجيب وموجود أعجوبة بوسعه أن يصبح كائناً إلهياً ملكوتياً، وحتى إماماً لأفواج الملائكة، إذ ما توفرت له التربية السلمية«18». وعلى العكس من ذلك، إذا ما تربي تربية فاسدة ومعوجة تقوده للانحراف عن ركب الإنسانية، فسوف يهوى إلى الدرك الأسفل من مراتب النقص والشقاء، ويمسى كائناً جهنمياً شيطانياً ومصدراً لمختلف أنواع الانحراف والضلالة «19».

وعليه، وخلافاً لما عليه الكائنات الأخرى، تعتبر المسافة بين الإنسان الكامل والناقص شاسعة للغاية «20». وأن حاجة هذا الحيوان الناطق للتربية تفوق حاجة أي كائن آخر«21».

إن ما يحدث في مرحلة بداية ظهور الإنسان هو الولادة الأولية، التي يسمونها بمثابة «الولادة الحيوانية» وبعد هذه المرحلة، وإذا ما شكلت متابعة الميول النفسائية والرغبات الحيوانية عقبة دون تجلي الحق في كيان الإنسان بمختلف المستويات وعملت الكدورة وظلمة هوى النفس على إخماد نور العقل وسراج الإيمان لديه بالكامل، لن تتحقق الولادة الثانوية التي يطلق عليها بـ«الولادة الإنسانية»«22»

ثانياً: لأجل أن يمتلك الفرد القدرة على محاسبة نفسه في كل يوم، بل وفي كل لحظة، وكي يدرك مدى ابتعاده عن الولادة الأولية واقترابه من الولادة الثانوية، وضع إمام الأمة «قدس سره» معياراً لذلك ينص على: كلما رأى الإنسان أنه يقترب من الأفق الحيواني في اهتمامه ولذائذه، بما في ذلك الطعام والشراب أي أن يأكل ويشرب ويلبس ويحيا دون أن يفكر بمصدر المأكل والملبس وكيف حصل عليه «حلال أم حرام»، يجب أن يدرك بأنه ليس أكثر من حيوان«23»، وأنه لم يقترب بعد من حدود الإنسانية. وقد ورد في الحديث بأن الكافر لديه سبعة معاء«24»، والمؤمن له معاء واحدة وهي عبارة عن قانون الإسلام«25».

وفي المقابل إذا ما تحكّم بصادرات مملكة الروح ووارداتها، وراقب الخواطر والمخاطر القلبية، وصان الحرم القلب لئلا يتعدى حريم الروح بكامل وعيه، ولن يرد العتبة غريباً دون ارتداء لباس الإحرام فليعلم أن شجرة الإنسانية قد نمت وترعرعت في كيانه وأثمرت، ويكون شاكراً لله تعالى على ذلك.

أبرز السمات الفطرية للإنسان

أولاً: يتحلى الإنسان بالعديد من التوجهات الفطرية بنحو يمثل كل واحد منها مصداقاً للقلب أولاً، ومظهراً من مظاهر حب الإنسان «للكمال المطلق» ونفوره من «النقص» ثانياً، الذي لا يقتصر وجوده على كيان الأفراد فحسب وإنما هو موجود لدى كافة الكائنات بدون استثناء«26».

ثانياً: إن هدف العشق الفعلي للإنسان هو «حقيقة الكمال المطلق» وليس توهم ذلك«27». والسر في ذلك هو أنه ليس بوسع أي شيء إطفاء ظمأ الإنسان غير إدراك ساحة الكمال المطلق، ولن يقر له قرار ما لم ينال الكمال المطلق.

ثالثاً: على الرغم من أن يد التغيير والتحول لن تطول الأحضان السامية للفطرة وميولها، غير أن الإنسان وبوحي من الغفلة والجهالة يتجاهل أحياناً أنه كائن يتوجه بميوله الباطنية السامية نحوه سبحانه، ويتعلق بمن سواه وينصاع له. في حين أن قافلة الأرواح وركب القلوب تمضي في آفاق الكمال المطلق ولم ولن تبحث عمن سواه«28».

وعليه فإن الكائنات كلها، وليس الإنسان وحده، مجبلة على الفطرة التوحيدية «29». وكما مر من قبل، فإن أي فرد، وفي كل خطوة أو حركة يقدم عليها، إنما ينشد الكمال«30» على الرغم من أنه قد يخطئ في ذلك غافلاً أو أساء التقدير.

رابعاً: إن عشق البشرية الحالي للكمال المطلق، يعد أحد الأدلة المحكمة على إثباته«31». وتوضيح ذلك هو أن العشق الحالي عبارة عن حقيقة تستلزم إضافة.وبناءاً على التلازم الموجود بين المضاف والمضاف إليه، فإن تحققه يكون رهن تحقق الطرف الآخر المتعلق به والمضاف إليه«32».

 وعليه لابد من وجود «الكمال المطلق» كي يتعلق به قلب الإنسان ويتجلى عشق الإنسان له عملياً. كما أن الكمال المطلق هو جزء من «الوجود المطلق» الذي يجسد تحققه الكامل تجلياً له«33»، وليس ذلك سوى الله سبحانه.

خامساً: نظراً إلى أن الإنسان خلق مجبولاً على التوحيد، لذا فان أي توجه له إلى ما سوى الله تعالى، يعتبر ميولاً للفطرة الثانوية التي هي حصيلة سوء اختيار الإنسان ذاته.

وكي لا يكون الإنسان مدعاة لإطفاء نور فطرته الأولى بوحي من سوء تدبيره، وأن لا يعمل على تحقق موجبات ضلالته بيده، وإنما يحرص على الإصغاء إلى نداء الفطرة الداعي إلى الحق وتلبية هذا النداء؛ يدعو الإمام الخميني الجميع إلى مراقبة النفس ومجاهدة تطلعاتها وميولها الباطلة، والحرص على المحاسبة المستمرة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الهوامش:

[1] صحيفة الإمام، ج 4، ص 8. 22 / 7/ 1357

[2] شرح دعاء السحر، ص 208  منشورات تربيت، الطبعة الأولي، 1376.

[3] الأربعون حديثاً، ص 122.

[4] الوصية السياسية -الإلهية للإمام الخميني، ص 2.

[5] سورة المطففين، الآية 25.

[6] سورة إبراهيم، الآيتان 24 و25.

[7] الأربعون حديثاً، ص 399 – 400.

[8] صحيفة الإمام، ج 4، ص 9.

[9] صحيفة الإمام، ج 4، ص 9.

[10] صحيفة الإمام، ج 6، ص 246.

[11] صحيفة الإمام، ج 6، ص 246.

[12] صحيفة الإمام، ج 13، ص 285.

[13] شرح دعاء السحر، ص 219.

[14] شرح دعاء السحر، ص 285.

[15] شرح دعاء السحر، ص 264.

[16] صحيفة الإمام، ج 7، ص 499.

[17] الفرق بين الفطرة والطبيعة : فلسفة حقوق الإنسان، آية اللهجوادي آملي، ص 7.

[18] صحيفة الإمام، ج 13، ص 285.

[19] صحيفة الإمام، ج 13، ص 285.

[20] صحيفة الإمام، ج 13، ص 385.

[21] صحيفة الإمام، ج 13، ص 380.

[22] الأربعون حديثاً، ص 168 - 169.

[23] صحيفة الإمام، ج 2، ص 361.

[24 و25]- صحيفة الإمام، ج 2، ص 361.

[26] محرم راز، ص 13 - 14.

[27] صحيفة الإمام، ج 14، ص 205.

[28]طريق العشق، ص 23 - 24، تفسير سورة محمد «ص».

[29] محرم راز، ص 11 - 12.

[30] صحيفة الإمام، ج 12، ص 505.

[31] صحيفة الإمام، ج 14، ص 205.

[32] الأربعون حديثاً، ص 184 - 186

[33] محرم راز، ص 13 - 14.

مواضيع ذات صلة

خصائص الإنسان المكتسبة

العرفان في فكر الإمام الخميـني

المدرسـة العرفانيـة للسيد الإمـام

الفلسـفة عنـد الامام الخميـني«قده»

موقع فكر الإمام الخميني في الثقافـة الإسلامية

القرآن والعرفان من وجهة نظر الإمام الخميني «رحمه الله»

الإنسان والمجتمع والدين في الفلسفة السياسية للإمام الخميني (رض)

احدث الاخبار

الاكثر قراءة