الإمام الخميني لم يقصد المرجعية، وإنما هي قصدته
التاريخ: 24-12-2008
الإمام الخميني لم يقصد المرجعية، وإنما هي قصدته ألقى سماحة السيد عبد الله الموسوي كلمته الأسبوعية في جمع من المؤمنين، حيث خصّصها للحديث عن الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، مستعرضاً شيئاً من سيرته العطرة، ذاكراً جانباً من علاقته بالسيد البروجردي، مبيناً سماحته أن الإمام الخميني (قدس سره) كان مهتمّاً كثيراً بالمرجعية وأن المرجعية كانت لديه أكثر من مقدّسة، واصفاً الإمام بأنه ثاقب النظرة تجاه المرجعية الواعية، مشيراً إلى شيءٍ من إنجازاته في المرجعية، وأنه أعطى للمرجعية موقعاً ووظيفة ، مشدداً على أن الإمام لم يقصد المرجعية يوماً بل المرجعية هي التي قصدته، مُتطرّقاً لأهم منجزات الإمام الخميني في المرجعية، وأن من ضمن إنجازاته في المرجعية أنه أعطى للمرجعية موقعاً ووظيفة ،وأن المرجع إذا لم يكن له حِسّ اجتماعيّ لا يصلح لأن يكون مرجعاً، مثبتاً ذلك بالشواهد التاريخية التي حدثت في أيام ما قبل مرجعية الإمام وأثناء تلك الفترة الذهبية على الأمّة، وفي التالي نص هذه الخطبة: تمهيد ومناسبة أليمة بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
الإمام الخميني لم يقصد المرجعية، وإنما هي قصدته
ألقى سماحة السيد عبد الله الموسوي كلمته الأسبوعية في جمع من المؤمنين، حيث خصّصها للحديث عن الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، مستعرضاً شيئاً من سيرته العطرة، ذاكراً جانباً من علاقته بالسيد البروجردي، مبيناً سماحته أن الإمام الخميني (قدس سره) كان مهتمّاً كثيراً بالمرجعية وأن المرجعية كانت لديه أكثر من مقدّسة، واصفاً الإمام بأنه ثاقب النظرة تجاه المرجعية الواعية، مشيراً إلى شيءٍ من إنجازاته في المرجعية، وأنه أعطى للمرجعية موقعاً ووظيفة ، مشدداً على أن الإمام لم يقصد المرجعية يوماً بل المرجعية هي التي قصدته، مُتطرّقاً لأهم منجزات الإمام الخميني في المرجعية، وأن من ضمن إنجازاته في المرجعية أنه أعطى للمرجعية موقعاً ووظيفة ،وأن المرجع إذا لم يكن له حِسّ اجتماعيّ لا يصلح لأن يكون مرجعاً، مثبتاً ذلك بالشواهد التاريخية التي حدثت في أيام ما قبل مرجعية الإمام وأثناء تلك الفترة الذهبية على الأمّة، وفي التالي نص هذه الخطبة:
تمهيد ومناسبة أليمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ورد في الخبر أنه (إذا مات العالم ثُلِمَ في الدّين ثُلمة لا يسدُّها شيء) وفي رواية: (إلا عالِمٌ مثلُه).
الإمام (رضوان الله عليه) في مثل يوم أمس ارتحل (بالتاريخ الهجري القمري)، وفي الحقيقة حينما ارتحل الإمام ارتحلت معه القلوب وأصيب الناس بنكسة، إذ أن الإمام أحيا القلوب وأعطى أملاً بحيث أن الجميع يقطع بأن مجيء الإمام كانت بمثابة عزّة لا ذلّة معها، والإمام (رضوان الله عليه) لمّا ارتحل لا شك أنه أدمع العيون، وهذا شيء أكيد، ولكن القدر المتيقن أنه أدمى القلوب، هذه هي الحقيقة، فلماذا؟
نحن يومياً تقريباً نودّع عالِماً، والإمام (رضوان الله عليه) لم يكن أوّل مرجع يُفقد عندنا ولم يكن في خلال العشرين عاماً الماضية آخر مرجعٍ، فلماذا الإمام (رضوان الله عليه)؟
إذا نظرنا إلى التاريخ نجد أن هناك ثمّة فراغات الإمام (رضوان الله عليه) ملأها، أحد أهمّ هذه الفراغات، أن المرجع ما هو أو ما هي مكانته، وما هي وظيفته ؟وما هو سير عمله؟
قد يُعرف أن وظيفة المرجع هذا الأمر المعهود، ولكن كيفية إدارة الأمور كيف تكون؟ هذه مجهولة، لأن كل شخص يأتي فيُسقط شخصيته على النحو الإداري له، يعني بقدر قوة الشخص وضعفه تَتُمُّ إدارة دفّة الأمور بالنسبة للمرجعية.
مُجَدّد القرن الخامس عشر؛ لأسباب
الإمام (رضوان الله عليه) أعطى الطريقة والأسلوب مثلاً مؤسساتيّاً نعم أعطاها ثوباً مؤسساتياً غير مرتبط بالفرد نفسه، بحيث لو مات ذلك الشخص فإنه لا يحصل خلل ولا خلأ حينئذٍ، وهذه ميزة للإمام رضوان الله تعالى عليه، ومن ضمن منجزات الإمام (رضوان الله عليه) توجد مجموعة من المنجزات على مستوى الحوزة والقيادة والمرجعية، نعم الإمام واقعاً أعطى قيمة للمرجعية، يقول أحد العلماء وهو الشيخ الآراكي (رضوان الله عليه)، قبل أن ينتصر الإمام، أي في الأحداث الأولى قبل إخراج الإمام وهذا الكلام قبل أربع وأربعين سنة تقريباً، حينما أصدر الإمام أوّل بيان له يقول ابنه أبو الحسن مصلحي الآراكي يقول: كان أبي يقول إن الإمام الخميني مُجدّد القرن الخامس عشر. فما المراد من أنه مجدد القرن الخامس عشر؟
يريد أن يقول أنه هناك ثمة سلوك هذا السلوك الذي أوجده الإمام في تصدّيه، والإمام في ذلك الوقت كان للتوّ بدأ في التصدي للمرجعية أي أنه بمجرد وفاة السيد البروجردي (رضوان الله عليه)، بقي متصدّياً للمرجعية قُرابة سنة واحدة فقط بعدها أصدر البيان، ولكنّ الشيخ الآراكي يقول: منذ تلك السنة والإمام الخميني هو مجدّد القرن الخامس عشر.
أولاً: هذه فراسة مؤمن.
وثانياً: الانطباع المتولّد من خلال تصرّف الإمام (رضوان الله عليه) خلال الفترة الزمنية التي تقلّد فيها المرجعية جعل من الشيخ الآراكي (رضوان الله عليه) أن يقول هذا الكلام.
لكنّ الإمام ليس من هذا النوع!
الإمام جاءته المرجعية، ولم يأتها، وفرق بين شخص يذهب للمرجعية وبين من تأتيه المرجعية، فالإمام بعد وفاة السيد البروجردي (رضوان الله عليه) جمع أصحابه وقال لهم: إياكم أن تتحدّثوا بشيء عنّي، لا تتكلّموا ولا تقولوا أن فلاناً مطروحٌ اسمُه للمرجعية، وفلاناً يُعتبر كذا، ويُعتبر كذا، هذه الطريقة الأولى.
الأمر الثاني:
وهو شيء عجيب فالعلماء عادة ومن باب التدين حقيقة رُبّما يقول أحدهم : لماذا أنا أوجد حالة من حالات الفراغ في المرجعية، دعني أصدّر رسالتي العملية - وهو حَمْلٌ على الصّحّة - فقد يُحتاج لي في مسألة احتياطية، أو يمكن لو لا سمح الله إذا ما مات هذا المرجع فأنا أسدّ هذا الفراغ، لكنّ الإمام (رضوان الله عليه) لم يكن من هذه النوعية.
أكثر من ذلك أنه وبعد مرض السيد البروجردي (رضوان الله عليه) كان متألّماً، يقول أحد طُلابه وهو السيد جلال الطاهري الخُرّم آبادي يقول: قال لي الإمام: أنت قريب من بيت السيد البروجردي اذهب لتعرف لي أخبار السيد، فأنا متألم لأنه قيل لي بأن هناك ثمّة انتكاسة حصلت للسيد، وكان السيد البروجردي آنذاك كبيراً في السنّ حيث كان في التسعين من عمره، يقول: فقلت له: نعم حصلت هذه الحالة وكان الإمام (رضوان الله عليه) يدعو للسيد البروجري بالشفاء، ولمّا مات السيد البروجردي حضر الإمام في بيت السيد البروجري قبل التشييع ذهب ليُعزّي أبناءه، ولكنه بعدها حُمَّ، والإنسان الذي لديه هذه الحالة من تَحَمُّل المسؤولية فإن الأمر يكون طبيعياً إن حُمَّ بسبب هذه المسؤولية، لذا فإن الإمام حُمّ وأصيب بالحمّى وارتفاع في درجة الحرارة، والارتفاع في درجة الحرارة لا تمنع الإنسان بأن يحضر الفواتح.
خالصة لله عز وجل
وفي قضية جميلة جداً حصلت للإمام (رضوان الله عليه)، حيث يقول الشهيد الشيخ مهدي الشاه آبادي (رضوان الله عليه): إن أحد علماء كاشان وهو عالم وخطيب حيث جاء وسكن عند أخيه، وكان هذا العالم والخطيب أحد المحبّين للإمام، وكان عاشقاً للإمام حيث دعم الإمام في بياناته ونشر بيانات الإمام، بالإضافة إلى أن أخاه الذي سكن عنده هو أحد تلامذة الإمام المقرّبين، يقول هذا التلميذ أخو الشهيد الشيخ مهدي الشاه آبادي: قلت للإمام: سيدنا هذا فلان موجود في قم في بيت فلان فشيء جيد أن تزورونه لأنه كذا ولأنه كذا فهو محبّ لكم وهو خدم في نشر البيانات، ولأنه ولأنه، وأخذتُ أعدّد عليه بعض أعمال هذا الرجل، وأخيراً قلت له وهو أخو تلميذكم الذي أنتم تحترمونه، يقول: قال لي الإمام رضي الله عنه: تعرف أنني محموم ولا أقدر على زيارته، ولكنني عندما أصررت عليه قال لي: انظر يا فلان هل تعتقد بأن الحُمّى تمنعني من زيارة مؤمن؟! لا طبعاً، لكنني ومنذ أن جاء هذا المؤمن وأنا أحاول أن تكون زيارتي له زيارة خالصة لله عز وجل، لكن أنت وفلان وفلان كلما مرّ زمن تأتون لي وتقولون لي: هذا من أنصارك وهذا من مُحبّيك وهذا وهذا، فأخشى أن تكون الزيارة ليست لله عز وجل، وإنما من أجل من تلك المحبّة.
لم يحضر العزاء، ولم يطبع رسالته لهذا السبب
واقعاً الإمام حينما امتنع عن الحضور حتى في التشييع لأننا أبناءَ الحوزات العلمية نعرف أنه عادة إذا خرج أحد المطروحين للمرجعية للتشييع فإنه بمجرد أن يقترب من جماعة تُرفع الأصوات بالصلوات، لتُلْفتْ الأنظار إلى وجود هذا الشخص، ويكون طلابه ومريدوه حوله، وكلهم معمَّمون عادة، فعندما يسألهم أحد الأشخاص من عامّة الناس: (مَن نُقلِّد؟)، وهذا السؤال يُطرح في التشييع قبل أن يُدفن المرجع، حتى يُصلّي المكلفون وهم مقلِّدون، فيتساءلون: نصلّي على أيّ طريقة فقد يكون هذا المرجع أو ذاك لا يُجيز لنا البقاء على تقليد الميت فنُصلّي على وفق رأيه، وعادة تكثر الأسئلة، لكن الإمام (رضوان الله عليه) لم يخرج حتى للتشييع، لهذا السبب.
أضف إلى ذلك أنه لم يطبع رسالته العملية، نعم لديه حواشي وهي مكتوبة وجاهزة لديه، ولكنه لم يطبعها، ولم يتواجد في التشييع، أيضاً لم يتواجد في إقامة العزاء، وليس الأمر أنه لم يتصدَّ، فأحياناً يتصدى المرء ويحضر اليوم الأول أو الثاني وتنتهي المسألة ويمشي الأمر، أحياناً قد يحضر لأن هذا نوع من أنواع التجليل للمرجعية وحفظ المرجعية، لكن الإمام (رضوان الله عليه) حتى في الفواتح لم يحضر، لماذا؟ لنفس السبب أنه عادة إذا حضر فيكون نوع من أنواع لفت النظر إليه من خلال القيام ورفع الأصوات بالصلوات، وهكذا، لِذا فالإمام دقيق في المسألة، وأن المسألة ليست مسألة أخذ زمام أمر، الأمر إذا لم يُعطِ لأهله، فإنه لا يُفيد إذا حاول الإنسان أن يختطف هذا الأمر أو ذاك.
والإمام مع احترامه الشديد للسيد البروجردي، وحبّه الشديد للبروجردي، فإنه لم يحضر، مع العلم بأن الإمام (رضوان الله عليه)، هو من جاء بالسيد البروجردي (رضوان الله عليه) إلى قُمّ في عام 1359هـ حينما زار النجف الأشرف، وكان الإمام (رضوان الله عليه) لمّا جلس مع بعض العلماء الذين هم الطِّراز الثاني المُعَيِّن للمرجعية، قال لهم: وكان من نفس الطبقة آنذاك عندما طرحوا عليه بعض الأسماء في النجف الأشرف، قال لهم: هؤلاء لا ينفعون، قالوا له: مولانا أنت ماذا تقول؟ قال: نعم، إذا يؤتى بالسيد البروجردي من (بُروجرد) إلى النجف أو إلى قُمّ يمكن أن تحصل له المرجعية، وهو المؤهّل واللائق بالمرجعية.
فراسةٌ ووعيٌ
ثُمّ إن الإمام عنده نظرية حول المرجعية وهذه من ضمن إنجازاته (رضوان الله عليه)، فلمّا خرج الإمام وُجِدَ أن بعضهم تشرئب عنقه للمرجعية بمعنى أنه يرى في نفسه الأهلية، هذا مقصدي من كلمة (تشرئب عنقه)، حينئذٍ قالوا: إن السيد الخميني لا يعرف النجف، لو كان يعرف النجف ما قال هذا الكلام، كيف ذلك؟ قالوا: نعم يعرف بأن لدينا في النجف علماء كثيرين يعتقدون بأنفسهم بأنهم أعلم من السيد البروجردي (رضوان الله عليه)، وإذا جاء الإمام ليطرح السيد البروجردي فهذا دليل على أنه لا يعرف النجف، ولكن بعد رحيل السيد أبو الحسن هم أنفسهم وحتى من تصدّى للمرجعية عرفوا بأن الكلام ما قاله الإمام (رضوان الله عليه)، لذا طُلِب من السيد البروجردي (رضوان الله عليه)، أن يأتي إلى النجف.
وصاحب كتاب (مشهد الإمام علي (عليه السلام)) المطبوع عام 1375هـ ذكر ذلك، لكن كما يقولون أن المسألة انتهت يعني الإمام (رضوان الله عليه) عمل على مجيء السيد البروجردي إلى قُمّ، وعندما يأتي السيد البروجري إلى قُمّ لن يدعه العلماء للخروج، لذلك طلب النجفيون من السيد البروجردي (رضوان الله عليه) بعد رحيل السيد أبو الحسن الأصفهاني المجيء إلى النجف الأشرف، وهو لم يقبل (رضوان الله عليه)، وهذا يدلّك على فراسة ووعي عند الإمام ومن ثمّ معرفة بالسيد البروجردي (رضوان الله عليه).
هو الأستاذ ويجب الالتزام بأوامره
الإمام رحمة الله عليه بالنسبة للسيد البروجردي يعرفه ويُحبه إلى درجة أن مجموعة من العلماء والطلاب ومحبيه جاؤوا يشتكون من أن هناك فئة من طُلاب العلم يضايقون ويُحاربون العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي عليه الرحمة، لأنه متصدٍّ لدروس الفلسفة، وعادة الفلسفة في الحوزات العلمية تُدرّس لكن لا بشكلها العلني، حيث يقوم اثنان أو ثلاثة من الطلبة بدراسة الفلسفة عند أستاذ ما لكن بشكل سِرّي، فالإمام (رضوان الله عليه) جاء هؤلاء يشتكون له يقولون له: هذا أستاذنا السيد محمد حسين الطبطبائي (رضوان الله عليه)، وأنت تعرف أنك تخليتَ عن درس الفلسفة بعد مجيئه، حيث اعتقدتَ بأنه هو مَن يستطيع أن يقوم مقامك في هذا الأمر لأنك تعتبر أن دراسة الفلسفة واجبة، وبهذا انتهت القضية، لما جاء اكفيتَ، الإمام كان مُطْرِقاً برأسه، ثمّ رفع رأسه وقال: كم طالب عند السيد الطبطبائي؟ قالوا له: قُرابة 300 طالب، قال: سمعتُ بأن هناك شخصاً آخر يُدرّس الفلسفة، فكم لديه من طالب؟ قالوا له: لديه قُرابة 50 طالب، قال لهم: وقد سمعتُ أنك يا فلان - وكان أحد الموجودين - تدرّس فلسفة، فكم عندك من طالب؟ قال: عندي قرابة 20 طالب، قال: قرابة 400 طالب من الطلبة يدرّسون الفلسفة هل كلهم يُجيد الفلسفة فنعمل لهم امتحانات؟ والمشكلة في الفلسفة مشكلة حسّاسة، والشيخ النائيني الذي ينقل عنه السيد الخوئي عليه الرحمة، يقول: (الفلسفة أغر بافتند يافتند) أي: أن الإنسان دارس الفلسفة إذا كان يجيد الحبك فإنه يجد العلم والآثار، إذا أجاد الدرس، (أمّا أغرنا يافتن بيوفتن) أي: أمّا إذا لم يستطع إجادة الحَبْكَ وتعلم الفلسفة فإنه يسقط في الحضيض، لأنها تُلقي به إلى أتون الإلحاد، إذا لم تكن لديه دراسة جيدة وأستاذ جيد ولا يكون ثَمَّة امتحان، قال لهم: نحن في الحوزات في السابق أنت يا فلان حضرتَ درسي قال له: نعم، لأنه من تلامذته، وفلان الذي يُدرّس هو من تلاميذي قال لهما: أنتما كم طالب عندما كنتما تحضران عندي؟ أنا اخترت غرفة لا تستوعب مساحتها أكثر من 17 شخصاً، وكنت متعمداً وإلا كنتُ نقلت الدرس إلى بيتي، أو إلى الحوزة الفيضية، أنا اخترت هذه الغرفة حتى أعرف من الذي يدرس وعندما أناقشه عندما أمتحنه أعرف أنه مجيد أو غير مُجيد، فإذا كان غير مُجيد فإني أقول له لا تأتي للدرس مرةً أخرى، الشاهد أن الإمام اقترح اقتراحاً أن السيد الطبطبائي يُسافر مدّة معينة من الأشهر، وفلان وفلان يُعطّلون درسهم في الفلسفة، لكن أحد الطلاب رفض تعطيل درسه مُدّعياً أن هذا نوع من أنواع التحكّم في الطلاب، قال لهم الإمام – وهُنا تكمن فراسته ويكمن حبه للسيد البروجردي - قال الإمام: «إن السيد البروجردي هو رئيس الحوزة ويجب الالتزام بأوامره»، القضية عجيبة والإمام لديه هذه النظرة وهذا النظام حتى في النجف.
أنصحُ الجميع بألا يقوموا بمثل هذه الخطوة
وأنا قد نقلتُ في إحدى الأماسي التي أقيمت بمناسبة ذكرى رحيل الإمام، بالنسبة للسيد الحكيم أنه أراد البعثيون تهميش السيد الحكيم، أيام حكومة عبد السلام عارف آنذاك، أول ما جاء البعثيون أرادوا ضرب السيد الحكيم وتهميشه، فاتفقوا مع أحد المراجع وهو السيد الخوئي (رضوان الله عليه)، قالوا له: نحن سنأتي وأنت لا بد أن تكون في الحرم، فيكون اتفاقاً كأنما أنت لم تأتِ للرئيس ولا الرئيس أتى لك، ويكون اللقاء في الحرم، وأصرّوا على ذلك، السيد الخوئي (رضوان الله عليه) قال: بشرط أن يحضر أحد العُلماء، هذه الحادثة نقلها الشيخ عبّاس عميد الزنجاني في مذكراته، ونقلها أيضاً الشيخ عبد الأعلى القُرَهِي في كتابه (خطواتٌ مع الشّمس) في كلا الكتابين تجد هذه الحادثة مُثْبتة، يقول قال لهم السيد الخوئي: إذا السيد الخميني يقبل أنا لا مانع عندي، ثم أرسل السيد الخوئي ابنه السيد جمال إلى بيت الإمام لكي يطرح عليهم هذه المسألة، الشيخ عبّاس عميد الزنجاني باعتباره أحد طلبة الإمام المقرّبين منه، وباعتباره زوج ابنة السيد المرعشي وهو صديق الإمام (رضوان الله عليه)، لاعتبارات عِدّة الإمام كان يهتمّ به، وكان من طُلابه المُجيدين والمقربين منه، وباعتباره أيضاً تُركياً بمعنى أنهم عندما يُريدون التحدث معه باللغة التركية وهو من نفس منطقة السيد الخوئي، قطعاً فإنه لن يَفهم خطأ، فطلبوا إليه: أن اطرح على الإمام أن يكون هو مع السيد الخوئي، وبهذه الطريقة يتواجدون، وانظر إلى رأيه، قال لهم: أنا لا أستطيع أن أضغط على الإمام وإنما سأطرح المسألة على الإمام وأرى رأيه، وأنظر ماذا يقول الإمام، جاء وطرح المسألة على الإمام لكن الإمام الخميني قال: أنصح الجميع، وحتى السيد الخوئي أنصحه، وأنصح أيّ مرجع ألا يقوم بهذه الخطوة، لأن السيد الحكيم هو رئيس الحوزة ويجب أن تُطاع أوامره، فالإمام كان عنده هذا الجانب.
الإمام (رضوان الله عليه) أيضاً كان مع السيد الحكيم في أول مجيئه للنجف الأشرف، قال له: سيدنا أنت تعرف الأوضاع في إيران، فلماذا لا تتصدّون أنتم وتنهون قضية هذا الرجل؟ ترجعونه عن غيّه، السيد الحكيم قال: لا أحد يسمعني، ولا أحد كذا، وكان الإمام مرجعاً في ذلك الوقت، فقال له الإمام الخميني: أنا أحد جنودك، وأنا أسمع لك وأطيع.
لم يقصدها وإنما هي التي قَصَدَتْهُ
إذن فالإمام (رضوان الله عليه) كانت لديه هذه النظرة حول المرجعية وقداسة المرجعية وتقديس المرجعية، وبالخصوص السيد البروجردي (رضوان الله عليه)، فعدم الحضور وعدم إقامة الفاتحة في الأول لم يكن بسبب عدم وجود علاقة حسنة والعياذ بالله أو لأسباب أخرى وإنما في الحقيقة لهذه الأسباب التي ذكرتُها، لأن الإمام (رضوان الله عليه) لم يأتِ ولم يمشِ إلى المرجعية، وإنما المرجعية جاءته (رضوان الله عليه)، المرجعية هي التي قصدته ولم يقصد المرجعية هو (رضوان الله عليه)، لذا كان يُعطي قيمة للمرجعية، وكانت هذه هي نظرة الإمام للمرجعية كما ذكرت.
حينما سُئل: لماذا أصررت على السيد البروجردي؟ وكان ممن تصدّى للدعوة له، وليس فقط قال: نُحضره، بل تصدى للدعوة له، لمّا تحدثوا معه في النجف قال: إثباتاً هو الأعلم، يعني أنا أعرف اثنين أنا واحد منهما قد نكون وآخرين نقول بأعلميته، لذلك قالوا له: إن هذا لا يعرف علماء النجف، لو يعرف علماء النجف لما شهد للسيد البروجردي (رضوان الله عليه)، لكن الإمام يقول عندما نَقل له أحد أصدقائه الذين كانوا حاضري الجلسة قول هؤلاء، قال: أنا قُلتُ إثباتاً، وليس معنى ذلك أنه في مرحلة الثبوت ليس الأعلم هو، فقد يكون حتى في مرحلة الثبوت أعلم، أي إنه إثباتاً وثبوتاً أعلم.
حِسٌّ اجتماعي وإلا ليس بمرجع
وعندما سئل عن السيد البروجردي: لماذا تم طرحه قال كلمة جميلة جداً: «إن السيد البروجردي (رضوان الله عليه) عارفاً بالأمور الاجتماعية» يعرف القضايا الاجتماعية والمرجع إذا لم يكن له حِسّ اجتماعيّ لا يصلح لأن يكون مرجعاً، وهذه نظرية غريبة، وهي من الأمور التي أدخلها الإمام (رضوان الله عليه)، وأكسب المرجعية قيمة، لذا فالشيخ علي الدواني (رضوان الله عليه)، حيّاً كان أو ميّتاً فإنني لا أدري هو ميتٌ أو حيٌّ، يقول قولاً لطيفاً جدا، يقول: كُنتُ في النجف وحينما سمعتُ بأن السيد البروجردي (رضوان الله عليه) قد جاء إلى قمّ كما أنه سقط في يدي كتاب (كشف الأسرار) فوجدتُ هذا خلاف ما عليه الحوزات العلمية، فالحوزات العلمية العلماء سواءً كانوا من الدرجة الأولى أو من الدرجة الثانية فإنهم لا يكتبون باللغة الفارسية ولا يتصدون للقضايا الاجتماعية التي تهمّ الناس، عادة نجد أن خطباء أو علماء الدرجة الخامسة والسادسة هم من يتصدى، لذا هذا فتحٌ جديد، لما يأتني كتاب وأسأل عنه فيقال إنه للحاج آغا روح الله، هو كتب هذا الكتاب للرد على كتاب (هزار صالح) هذا عجيب! وليس معهوداً عندنا أن يكتب عالم من الطراز الأول باللغة الفارسية ويتصدى لقضية اجتماعية فهذا ليس طبيعياً، يقول لما ذهبت إلى قم، وقد كان في النجف وكان يدرس في النجف، يقول: وجدتُ فوارق عدة.
ومن هنا تتضح إنجازات الإمام (رضوان الله عليه)، وباعتبار الوقت وحتى أختم الكلام في الإمام فإنني أستعجل الحديث هنا.
ميزة لِقُمِّ على النَّجَف...
يقول الإمام الخميني (رضوان الله عليه): أهم مسألة حقيقة هي امتحان طالب العلم، ففي النجف ليس عندنا امتحانات، لذلك ليس عندنا معرفة بالمستويات العلمية لطلبة العلم، فتجد أحدهم يبقى عشرين سنة ولم يُنجز شيئاً، نعم المجدّون يمكن لهم أن يتقدموا لكن غير المُجدّ فمن الذي يُتابع قضاياه؟ لا يوجد أحد يقوم بهذه المهمّة، وهذه ميزة لقُمّ على النجف، في قُمّ نجد أن الإمام رضوان أول ما جاء السيد البروجردي (رضوان الله عليه)، طرح مجموعة من الإشكالات حيث اقترحوا على السيد البروجردي تشكيل لجنة، شكّل السيد البروجردي لجنةً أحدُ أهمّ أعضائها كان الإمام (رضوان الله عليه)، ومن ضمن هذه القائمة: السيد محمد باقر سُلطاني (رضوان الله عليه)، والشيخ مرتضى الحائري (رضوان الله عليه)، ومجموعة كثيرة ممن هم حول السيد البروجردي (رضوان الله عليه)، والإمام أعد قائمة ولائحة بالأمور التي ينبغي إصلاحها، وكان أهمّها الامتحان، وإن كان الامتحان طبعاً بدأ منذُ أيام الشيخ عبد الكريم الحائري (رضوان الله عليه)، إلا أنه تم تركه، فتمّ بعد ذلك إحياؤه أيام الإمام، هذا من ضمن الإنجازات الحوزوية للإمام (رضوان الله عليه)، ومن ضمن إنجازاته في المرجعية أنه أعطى للمرجعية موقعاً ووظيفة، هذه هي الخُلاصة على أساس لا ينتهي الوقت ولم نُلخّص.
والخاتمة دعاء:
أسأل من الله عز وجل أن يتغمد الإمام الخميني برحمته، وأن ينصر ويؤيد وليّ أمرنا وإمامنا كما نسأل منه عز وجل أن يُعجّل في ظهور إمامنا وصاحب عصرنا، ونسأل منه أن ينصر حكيم آل محمد، وأن يدفع البلاء عن المسلمين كافّة، وعن شيعة عليّ (صلوات الله وسلامه عليه)، في المشرق والمغرب خاصّة، كما نسأل منه عز وجل أن يوفق الجميع لما يحبّ ويرضى وصلّى الله على محمّد وعلى آله الطّيبين الطّاهرين.
احدث الاخبار
العميد جلالي: بنيتنا التحتية الصاروخية تحت الأرض سليمة ولم تمس
برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام
خطيب جمعة طهران: صمود المقاومة الإسلامية هو ثمرة التأسي بمدرسة القرآن الكريم
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية