Skip to main content

الإمام الخميني تجاوز حصار الوعي الأوربي وتعميم مشروع التغيير الإسلامي

التاريخ: 20-12-2008

الإمام الخميني تجاوز حصار الوعي الأوربي وتعميم مشروع التغيير الإسلامي

الإمام الخميني تجاوز حصار الوعي الأوربي وتعميم مشروع التغيير الإسلامي كان من الطبيعي للعالم الإسلامي وهو يعيش منفصلاً عن إسلامه ولا يفقه ذاته ولا يعرف لوجوده قيمه إلا في موازاة الوعي الأوربي ومن خلال تبعيته له، أن يفتقد وجود نظرية في الثورة والتغيير تقوم على أساس الإسلام وتنطلق الممارسة العملية على هديها

الإمام الخميني تجاوز حصار الوعي الأوربي وتعميم مشروع التغيير الإسلامي

كان من الطبيعي للعالم الإسلامي وهو يعيش منفصلاً عن إسلامه ولا يفقه ذاته ولا يعرف لوجوده قيمه إلا في موازاة الوعي الأوربي ومن خلال تبعيته له، أن يفتقد وجود نظرية في الثورة والتغيير تقوم على أساس الإسلام وتنطلق الممارسة العملية على هديها.

في حصار النموذج الآخر

سيطرت على الفكر الثوري في العقود الأخيرة اتجاهات غريبة عن فكر المسلمين ومتبنياتهم، حتى كادت ساحة العالم الإسلامي أن تكون مغلقة في فكر التغيير والثورة لتلك المنهجيات التي تنتمي تقليدياً إلى تراث الغرب المؤسس بشكل مباشر على أدبيات الثورة الفرنسية والثورة الأميركية وقبلهما الانتفاضة البريطانية، أو المستلهم من تراث الشرق الأوربي المؤسس بشكل مباشر على تراث ثورة أكتوبر البلشفية ومجمل اتجاهات الفكر الماركسي وتنويعاته في المدرسة الصينية والكوبية واليوغسلافية ومدرسة الشيوعية الأوربية.

وكان معنى ذلك أنّ الفكر الثوري في العالم الإسلامي ظل في غربه عن الإسلام بمنطلقاته وأصوله وتاريخه؛ وبتبعية وانتماء ‌للفكر الآخر؛ تحديداً لفكر الغرب وتراثه وتاريخه سواء تمثل ذلك بالتبعية والانتماء إلى الشق الغربي من حضارة الغرب الأوربي ـ الأميركي أو الشق الشرقي منه.

لذلك كله كان من العسير على الباحث أو السياسي أو الداعية للثورة والتغيير أن يعثر أمامه في دليل الفكر أو في نموذج التغيير والثورة،‌ غير نماذج الثورة الفرنسية والأميركية والبلشفية. وإذا تجاوز إطار التغيير الجذري فلا يجد في نظرية التغيير من داخل النظام وعبر إطاره وأدواته وأجوائه (أي الإصلاح) سوى فكر ونموذج الليبرالية الغربية السائد في الديمقراطيات الغربية.

وليست مسالة هيمنة النموذج الغربي بهيكليته الفكرية وتطبيقاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ظلت محصورة بحدود التبعية والانتماء إلى «الفكر الثوري الأوربي» وطرائقه ومنهجياته، وإنما تمدد الغرب لينفذ في أدق خصوصياته عندما أعاد باحثوه من طليعة النخبة الفكرية ـ العلمية، تتبعهم بذلك الصفوة الثقافية ـ العلمية في بلادنا؛ أعادوا قراءة تاريخنا الثوري ـ الجهادي الحديث والمعاصر،‌ بل والقديم منه،‌ ليقدموه مجدداً وفقاً لإسقاطات أفكارهم، وعلى نمط منجياتهم وتفسيراتهم.

وبذلك أضحى التاريخ الثوري الجهادي للمسلمين زاخرا بضروب متنوعة من التفسيرات والقراءات القائمة على أساس منهجية الفكر الأوربي في مدارسه المختلفة. حتى صرنا أمام ركام من فروضات وإسقاطات قائمة بمعظمها على الشذوذ والمغايرة للواقع، عمت الساحة انطلاقا لما للغرب من قوة في استهلاك الأشياء وقدرة نافذة على التعميم. لقد كان من السهل أن نفهم قوة هذه الهيمنة ونفوذها لمسامات الوجود الإسلامي. فالقوي المتقدم الذي يملك زمام القوة والسلطة لا يمكن أن ننتظر منه وهو ينبذ أي دور للأفكار والمفاهيم والكليات القيمية والأخلاقية التي تنبعث من رؤية كونيه، سوي ما قام به فعلا حيال عالمنا الإسلامي.

إنّ الغرب يقوم بمركزيته المهيمنة القامعة بإغلاق ملفات الآخرين،‌ لاسيما إذا كان الآخر هو العالم الإسلامي الذي أستملك في ماضيه العالم وما فيه، وبضمنه عالم الإنسان الغربي، طوال قرون متعددة.

وهيمنة الغرب في مركزيته الراهنة هي هيمنة نافية لغيرها، لاغية لكل ما سواها وما سبقها وما يقف في طريقها، ويوم عرف الغرب أنّ الإسلام يملك من خصائص القوة والقابلية ما يؤهله للعودة إلى مواقع الفاعلية والعالمية، انصبت مركزيته على نفي الإسلام ومحاصرته كي لا تقوم له قائمه، وكان من جملة ذلك الحصار، أن تطمس معالم قوة الإسلام في الفكر الثوري الجهادي ومنهجية الحركة والتغيير. فإذا أراد الإنسان العالم الإسلامي أن يثور أو يتحرك أو ينفلت، ‌فليتم ذلك ولكن على أساس التصورات الغربية ذاتها!

وبهذه المثابة انتهى الوجود الإسلامي في العقود الماضية ولاسيما التي تلت سقوط كيان السلطنة العثمانية، إلى وجود منفصل عن ذاته وتاريخه، منسلخ عن نفسه. فقد استطاع الغرب في مدرستيه الكبيرتين الماركسية والليبرالية الغربية،‌ أن يوجد ما يريد من إحداث القطيعة بين المسلمين وذواتهم، وبينهم وبين تاريخهم وماضيهم؛‌ أو بشكل عام بين المسلمين وإسلامهم.

لقد تمت القطيعة تارة تحت ذريعة نفي التراث لتمثل الحالة الثورية كما يطرحها العصر أو كما يطرحها التطور التاريخي (ينظر كمثال: بعض قضايا الفكر المعاصر،‌ جلال فاروق الشريف، ص 121) وللتحرر تارة أخرى ما يلقيه من آثار التخلف والجمود، لأنه «قد طغت العقلية الخرافية بشكل إحباطي للفكر العربي لمدة أربعة عشر قرناً» على حد زعم مصطفى النهيري كمثال (ينظر: محنة العقل المبدع، مصطفى النهيري) وابتعثت تارة ثالثة بأدوات منهجية وفكرية مموهة كما حصل مع الدعوة إلى القطيعة المعرفية (الابستمولوجية) التي انصب معناها على قطع المسلمين عن أصولهم والوقوع بالضرورة في براثن السيطرة الغربية عبر إعادة تأسيس ذاتهم وهويتهم ووجودهم من خلال الوعي الأوربي بوصفه الوعي العالمي النموذجي لإنسان الأرض!

ولعل أسوا أنماط ممارستها هي تلك التي انزلقت لشعارات بالغة التفاهة رأت بالعودة للتراث احتضارا لدين الأمة، حيث يكتب احد هؤلاء: «وما رده إحياء التراث المشتبكة من اجلها الخناجر اليوم في ساحة الثقافة العربية، إلا انعكاساً تراجيدياً لأخر زفرات الاحتضار لجثة العقلية العربية التقليدية» (محنة العقل المبدع، ص 53).

الاختراق المنهجي والنظري

لقد كان من الطبيعي للعالم الإسلامي وهو يعيش منفصلاً عن إسلامه، ولا يفقه ذاته ولا يعرف لوجوده قيمة إلا في موازاة الوعي الأوربي ومن خلال تبعيته وانقياده له، أن يفتقد وجود نظرية في الثورة والتغيير تقوم على أساس الإسلام وتنطلق الممارسة العملية على هديها. فقد استطاع الغرب وتابعته اتجاهات التغريب والجهل، أن يهمش الإسلام لمجرد حيز ضيق من القيم الروحية والأخلاقية التي فقدت معناها وابتذل محتواها،‌ والى بعض انسقة الأحكام الفقهية الفردية، والى موروث تاريخي ثقيل من حكم الاستبداد وركام الفقه السلطاني!

من هنا ما شاهدناه في العقود السابقة على العقد الثمانين من فورة نظرية الثورة الماركسية، وهيمنة منهجيات المدرسة الأوربية في العمل السياسي.

فكل حديث عن التغيير والثورة وأي محاولة انبعاث «لابد» وان تقوم في عالمنا الإسلامي على أسس فكر ماركس والتراث الماركسي أو على قيم ومعايير الليبرالية الغربية دون أن يكون ثمة معني لخيار أو بديل ثالث مستعد من الإسلام. هذا كمثال عبد الله العروي أحد رموز الموجه الفكرية خلال الستينات والسبعينات في العالم العربي يكتب نصاً: «إنّ الماركسية بالنسبة للعرب،‌ هي أساسا مدرسة للفكر التاريخي وهذا الأخير هو مقياس المعاصرة» وهي بالتالي: «النظام المنشود الذي يزودنا بمنطق العالم الحديث» (العرب والفكر التاريخي، ص 31).

وعندما كان الوعي الثوري في العالم الإسلامي، يحاول تأسيس وجوده ويلملم ذاته لانبعاث كيانه، ويوحد قواه لمواجهه الواقع والتحديات الخارجية، لم تكن أمامه نظرياً وسلوكياً ـ كمسار عام ـ سوى النمذجة الماركسية بشكل رئيس ومنهجيات الغرب إلى جوارها.

وهكذا اختزلت حقبة طويلة من المواجهة الإسلامية للوجود الاستعماري في منطقة قلب العالم الإسلامي وفي أطرافه؛ في مصر وفلسطين وبلاد الشام والعراق وإيران وأفغانستان واندونيسيا والمغرب العربي وغرب أفريقيا وأطراف آسيا وبقية بلاد المسلمين،‌ لمجرد موضوع هامشي نظر له الأساتذة السوفيت وتابعوهم في بلادنا باسم حركات التحرر الوطني!! وهو المصطلح الذي اشتهر بعد ذلك وساد، لا بوصفه تعبيرا عن جهاد المسلمين وثوريتهم،‌ بل بوصفه حقلا لفاعلية الفكر الماركسي في العالم الإسلامي!

تأسيساً على المصطلح شهدت تيارات الثقافة الثورية في العالم الإسلامي دراسات واسعة للموضوع الجديد؛ أي حركات التحرر الوطني التي انتهي تعميمها وانتشارها لطمس أي معنى لجهاد المسلمين في بلادهم، فولدت سلسلة واسعة من الدراسات حول إشكاليات حركة التحرر الوطني ومشكلاتها إزاء غياب حركة التغيير والثورة والمقاومة باسم الإسلام!

وهنا تمكن واحدة من قدرات الماكينة الغربية، ‌فهي في هذا المثال طمست كل تعبيرات الجهاد الإسلامي، واختزلت صنوف مقاومة المسلمين،‌ إلى مجرد موضوع جديد يلحق بالعلم الغربي اسمه حركات التحرر الوطني. ثم أعيد تأسيس مفاهيم الحركة وإشكالياتها ومشكلاتها من خلال الفكر الغربي ذاته،‌ ولا سيما مفاهيم المدرسة الماركسية دون أن ننسى أنها تشكل الوجه الآخر في المركزية الغربية!

وبذلك انتهي الوجود الإسلامي إلى أن يكون مفردة في الوعي الأوربي؛ وانتهي جهادهم إلى أن يكون مصطلحا في «علم الثورة الماركسي» وأدبيات اليسار بشكل عام!

أما ما تبقي من مساحة الوعي والحركة والتغيير في العالم الإسلامي ـ بمساره العام ـ الذي استعصى على «العلم الماركسي» فقد عاد هو الآخر لإدماج نفسه في بنيه الوعي الأوربي والمركز الغربي من خلا تبعيته لليبرالية الغربية.

الإسلاميون وكسر النطاق

لا يسعنا أن ننكر تلك المجهودات التي بذلها الإسلاميون لتأسيس نهج ثوري خاص بهم؛‌ وأن كان نجاحهم أقوي في محاولات التأسيس لمنظومة من مفاهيم ثورية وجهادية على صعيد فكر المواجهة والتغيير، ولكن مع ذلك وبالرغم منه فقد ظلت المحاولات محصورة في نطاق مجموعة محدودة من المفكرين أو تيار خاص في الحركة الإسلامية.

وقبل ذلك،‌ أي في مرحلة المقاومة والجهاد الإسلامي في الجزائر والعراق والهند وإيران ومصر واندونيسيا وغيرها من أقاليم المسلمين، لم ينشغل الثوار بقضية التنظير فضلاً عن تأسيس نظرية للثورة تنتهي لمرجعية فكرية إسلامية محدده، إذ كان لهم من الهموم والانشغالات ومن محنة مواجهة الاستعمار ما يكفيهم.

ولما انتهت مرحلة أولئك الكبار وصار مآل الثورة والتغيير للنخب الجديدة، رأينا هذه النخب تساهم بمساومة تاريخية بالغة الخطورة، حيث رضت لنفسها أن تتنكر لأصول الإسلام الثورية لتعيد تأسيس جهادها الذي تحول إلى نضال(!) على أسس «العلم الماركسي» أو منهجيات الليبرالية الغربية، وبهذا الشكل شهد العالم الإسلامي سلسلة الانقلابات المروعة في تحول المسار من الإسلام إلى الماركسية أو الليبرالية ومن الجهاد إلى النضال والديمقراطية!

وقد دامت هذه الحالة عقوداً إلا من مساهمات فردية ومن هامش حركي ضيق ملاه الإسلاميون لم يجد فرصة الانتشار والتعميم، بل جوبه بالقمع السلطوي والمطاردة والنفي حتى انبثق فجر جديد.

منعطف التغيير والتأسيس

مع الإمام الخميني دشن الفكر الثوري الإسلامي منعطفاً جديداً بكل ما لذلك من دلالات ومعان. فمع الإمام شهدنا تأسيساً جديداً ومرجعية أخرى تعمل وتتحرك وتنتج فكرها وفعلها خارج المرجعية الغربية من دون أن تتأثر بها إطلاقاً.

ومع الإمام صار للإسلام دوره وحضوره في قضايا الثورة والتغيير في العالم الإسلامي؛ إذ انتهى وللأبد الاحتكار الذي مارسته معاً الماركسية والمنهجية الليبرالية في عالمنا الإسلامي.

ومع الإمام تحرك المسار الثوري ـ التغييري لدى المسلمين ليتخطى مشكلات تجاوز الواقع المتخلف وإعادة تأسيس البنية الاجتماعية إسلامياً وكيان الأمة سياسياً، إلى مواجهة الغرب بوحدته وتنوعاته أولاً، ونفيه بعد ذلك وتجاوزه لتأسيس عالمية جديدة يكون المسلمون الموحدون بوعيهم التوحيدي نواتها،‌ وتلف في قواعدها كل المستضعفين ومن يتطلع للانعتاق من هيمنة المركز الأوربي أو حضارة الإنسان الأوربي ـ الأميركي كما يعبر الشهيد الصدر.

وعندما نستخدم تعبير التأسيس في وصف انجاز الإمام فنعني به تأسيس الصيغة،‌ أما في روح المشروع التغيري فالإمام الخميني استأنف الجهود التي سبقته وواصل مساراً مادته الخام موجودة في الإسلام،‌ بيد انه فعل ذلك بأسلوب النقلات النوعية الكبيرة التي مارست فعل الصدمة في استفاقة الوعي الإسلامي وتنبهه لبعض ما كان غافلاً عنه.

ما هي الإضافة الخمينية للفكر الثوري الإسلامي؟ أو بشكل أدق ما هي القواعد التأسيسية التي أضافها مشروع الإمام إلى الفكر الثوري ولقضايا التغيير والمواجهة في العالم الإسلامي؟ ثم إلى أي حد وفقت الصيغة الخمينية في طرح مرجعية منسقة ومنظمة لفكرها وأسلوبها؛ أي لمشروعها النظري وبرنامجها العملي، وهل استطاعت مرجعيتها أن تنتج أطروحة متكاملة للثورة والتغيير؟‌ والاهم من ذلك: هل استطاعت هذه الأطروحة أن تبعث الفاعلية في الوعي والممارسة داخل أوساط شعوب الأمة الإسلامية؟

لا ننتظر من هذا المقال أن يجيب على الأسئلة بهذة الكثافة والعمق بل أردنا أن نفتح نافذة على مؤتمر الإمام الخميني وإحياء‌ الفكر الديني الذي تتقارن أعماله مع الذكرى السنوية لوفاة الإمام وتشير إلى ضخامة المهمة التي ينبغي أن ينهض بها.

مهام مرتقبة

قبل أن نأتي على ما نرقبه من مؤتمر الإمام الخميني وإحياء‌ الفكر الديني من المفيد التأكيد على بعض العناصر المنهجية وكما يلي:

أولاً: أنّ القائد الذي يمارس فعل الغيير والنهضة ربما لا تعنيه كثيراً الصيغ النظرية أو لا تترك له مهام التغيير فرصة تقديم النظريات. وبالتالي تبقي مسالة التنظير وصياغة الأفكار مهمة مؤجلة على الآخرين أن ينهضوا بها. وهذا ما يصح على نهضة الإمام الخميني التي تحولت إلى موضوع مكثف للدراسة والتحليل، ولكن المشكلة إن جل ما كتب صدر باللغة الفارسية،‌ وأن الكثير منه اقتصر على الوصف وتسجيل الوقائع وضبط النصوص، وهي مرحلة وان كانت ضرورية،‌ إلاّ أنها لا تفي بتقديم مشروع الإمام للآخرين.

والذي يبدو أنّ ثمة محاولات لتقديم أفكار الإمام في صيغ نظرية وفي بناء منظوم نهضوي، لاسيما من قبل مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، التي أخذت على مسؤوليتها عند المؤتمر المشار إليه.

ثانياً: إنّ للأفكار والنظريات كالكائنات الوجودية، دورة حياة ينبغي أن تمر بها. وهكذا الحال بالنسبة لأفكار ونظريات الإمام إذ هي الأخرى بحاجة إلى زمن حتى يتوفر الباحثون على صوغها ونظمها وتقديمها في انساق نظرية موحدة.

ثالثا: يحسن بنا الانتباه إلى أن الفكر النهضوي للإمام الخميني يعيش حصاراً متعدد الأبعاد يفرض علية من مواقع مختلفة. فالتيارات العلمانية تحاصره لهويته الإسلامية، وبعضهم يمارس ضده الإقصاء البشع على أسس مذهبية وإقليمية وقومية، ومن داخل الإسلاميين ثمة من يحاصره بدوافع المحافظة والجمود وربما الخوف على المصالح، لما يرى فيه من حيوية نابضة وحركية فاعلة. وهذه وغيرها صعوبات يحسن التفكير بوسائل تذليلها والسيطرة عليها.

رابعاً: ثمة قصور في العدة المنهجية حيث تتعاطى كثير من الكتابات مع الإمام على مستوى متابعة ورصد الحياة والوقائع الشخصية، أو تدوين النصوص، ولا تنتقل من الذات إلى الموضوع، ومن القائد إلى النهضة، ومن النهضة إلى منهجها.

وربما نستطيع القول إن مؤتمر الإمام الخميني وإحياء الفكر الديني هو أحد أهم المحاولات التي تريد أن تتخطى المنهجية الفردية الوصفية تلك،‌ لتتعاطى مع الإمام على أساس موضوع النهضة ومنهجها، وتدرس الإمام كرائد، بل رمز من طليعة رائدة الإحياء‌ الديني في العالم الإسلامي خلال القرنين الأخيرين.

والذي نأمله من هذا المؤتمر هو أن يتوفر على تقديم صياغات وانساق منظمة تدفع الواقع الإسلامي بالمزيد مما يحتاج إليه من خبرات نظرية وأفكار ومشاريع،‌ لكي يغدو الإسلام خيارا حقيقيا في التغيير على مستوي بقية الخيارات العالمية لا سيما في عالم اليوم الذي شهد انهيار المنظومة الماركسية وبات التدافع الأساس تقريبا بين الحضارتين الغربية والإسلامية.

احدث الاخبار

الاكثر قراءة