استراتيجية التكليف في مدرسة الإمام الخميني
التاريخ: 30-09-2008
استراتيجية التكليف في مدرسة الإمام الخميني بسم الله الرحمن الرحيم الحديث عن التكليف الإلهي هو الحديث عن أبرز معالم فكر الإمام روح الله الموسوي الخميني قدّس سرّه الذي برزت من خلاله أحكام كثيرة تميَّز بها روح الله لم يسبقه أحد من الفقهاء خصوصاً تلك الرؤيه المتميزة لولاية الفقيه
استراتيجية التكليف في مدرسة الإمام الخميني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحديث عن التكليف الإلهي هو الحديث عن أبرز معالم فكر الإمام روح الله الموسوي الخميني قدّس سرّه الذي برزت من خلاله أحكام كثيرة تميَّز بها روح الله لم يسبقه أحد من الفقهاء خصوصاً تلك الرؤيه المتميزة لولاية الفقيه.
فمن لم يتمعّن بدقّة في أصول أفكار السيد الإمام رضوان الله تعالى عليه لم يتمكَّن من فهم فروع تلك الشجرة الطيّبة وبالنتيجة لن يستلذ من ثمارها الجنية فإنّها شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربِّها.
* أولياء الأمور بالأصالة.
المفروض أن المعصوم عليه السلام هو الذي يبيِّن الشريعة الاسلامية ويُشرف على تطبيقها حسب مقتضيات الزمان والمكان طبقاً للأحكام الواقعيَّة الثابتة في اللوح المحفوظ، تلك الأحكام التِّي شُرِّعت من قبل الله سبحانه طبقاً للمصالح والمفاسد الواقعيَّة وذلك اعتماداً على ما عنده من العلم اللدني الغيبي بإذن الله تعالى.
ولكن الظروف الخاصَّة التي طرأت جرّاء الإنحرافات العقائديَّة والطغيان الأخلاقي ونتيجةً للسياسات الزائفة التي حكمت الأمَّة طوال قرون متوالية سترت على الحقائق وحالت دون الوصول إليها، تلك الظروف التِّى أوقعت الأمَّة في معضلةٍ لا منجى منها وجرَّتها إلى عيشٍ لارغد فيه حيث انحرمت من الإستظلال تحت رايتهم عليهم السلام والإستقاء من منهلهم والعمل بما يريدونه فإنّ إرادتهم هي إرادة الله تعالى.
ومن المؤسف جداً إنَّ هذه الطريقة غير المستقيمة لم تتوقَّف في مرحلتها الأولى أو الثانية بل إستمرَّت حتَّى وصلت إلى مرحلةٍ خطيرة حيث سبَّبت غياب الإمام الثانى عشر المهدي المنتظر أرواحنا فداه عن أعين الناس وبذلك تورُّط الناس في عصرٍ مظلمٍ عصر اليُتم والمسكنة لا يُرتجى فيه صلاح ولا يتوقع منه خير.
* الإجتهاد.
فما هو الحل إذن ؟ هل يجوز التخلي عن الشريعة ؟ والرجوع إلى قهقرى الجاهلية ! أو أنَّ أمامُنا حلاً موَّقتاً لفهم الدين مشروعاً ومعقولاً، وهو (الإجتهاد) ويعني استنباط الحكم الشرعي من أدلته ومصادره المنحصرة في (الكتاب الكريم والسنة الشريفة).
و أما الإجماع أعني إستخراج الحكم الشرعي من خلال إتفاق العلماء فهو ليس بحجة عندنا حيث لا يكشف ذلك عن رأي المعصوم عليه السلام، وإذا كشف عن رأيه فهو إذن سنةٌ ولاعلاقة له بالإجماعٍ، كذلك العقل (وهو لدى العامة ما يطلق عليه القياس) فلا اعتبار له عندنا حيث أنه تحكُّمٌ للعقول القاصرة على الدين الحنيف، نعم هناك موارد خاصَّة تتعلق بالحُسن والقبح العقليَين يعتمد فيها على العقل ليس هنا مجال للحديث عنه.
هذا وقد اعتمد الفقهاء على علم أصول الفقه وهو العلم الذى يعينهم على إستنباط الأحكام الشرعية من خلال أدلتها، وهو ذو أبعادٍ وسيعة وجوانب شتَّى ألفت فيه موسوعات ودوّنت من أجله مصنفات وهذا العلم يشتمل على أبحاث مختلفة ومتنوّعة أهمّها البحث عن حقيقة التكاليف الإلهية وللفقهاء فيها آراء.
* رؤية الإمام حول التكاليف.
قال الإمام الخميني. " لاشك في أنَّ خطابات الله تعالى النازلة إلى رسوله لم تكن متوجهةً إلى العباد لا إلى الحاضرين في مجلس الوحي ولا الغائبين عنه ولا غيرهم كمخاطبة بعضنا بعضا، بل كما قال تعالى ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ﴾(الشعراء/193،194). وهو ليس بخطاب شخصي بل هو خطاب قانوني، فالتكاليفَ الشرعيةَ ليست إلا كالقوانين العرفية المجعولة لحفظ الاجتماع وتنظيم الأمور، فهي ليست خطابات متعدِّدة بل خطاب واحد قانوني يعم الجميع يشمل كافة الناس القادر منهم والعاجز والعالم منهم والجاهل" تهذيب الأصول ج 2 ص.
فمادام أنَّ هناك عدداً من الناس قادرين على أداء التكليف فلا استهجان في الخطاب أصلا كما هو كذلك بالنسبة إلى جميع القوانين، ولا ينبغي للمُقنِّن الإعتداد بهؤلاء العجزة مادام هناك العدد الكبير ممن يتيسَّر له العمل بالتكليف على مرّ التأريخ.
وهذه أهمّ نقطة إفتراق رأي السيد الإمام عن رأي الكثير من المجتهدين حيث ذهبوا إلى أن التكليف الإلهي لم يشمل العاجزين حين الخطاب وأنه يختص بالقادرين ليس إلا، وهذا الزعم قد نشأ من الخلط وعدم التمييز بين الخطابات الخاصة الشخصية وبين الخطابات العامة الكلية أو بعبارة أدق الخطابات القانونية.
* التخلص من العقاب لا سقوط التكليف.
يرى السيد الإمام أنّ العاجز لا يسقط عنه التكليف في حال من الأحوال وإن كان مأموناً من العتاب والعقاب الإلهي كما في قوله تعالى. ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(البقرة/173). فالآية ترفع الإثم عن المضطر، والإثم ههنا يعني العذاب كما في قوله تعالى﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾(الفرقان/68). وأمّا التكليف فهو باق على حاله ولذلك ينبغي للمضطرأن يستغفر ربَّه رغم أنّه غير آثم، فالمضطر لفعلٍ من الأفعال المحرَّمة كأكل الميتة مثلاً رُغم إرتكابه للمحرَّم (حيث أنَّ أكل الميتة حرام مطلقاً) لا يعذب بنار جهنم، كيف وقد سمح الله له بإرتكابه حيث لا محيص عنه وذلك لأنَّ الواجب عليه هو حفظ نفسه من الهلاك.
* فلسفة الإستغفار:
فلماذا الاستغفار إذاً ؟ يرى الإمام قدس سره. أن عبادة العارف بالله غير عبادة الجاهل، فالعارف لا يعبد الله خوفاً من ناره ولا طمعاً فى جنَّته بل عبادته نابعةٌ عن العشق بالله نفسِه فهو يريد الله ليس إلاّ وهذه هي عبادة الأحرار كما أكدّت عليه الآيات والاحاديث الكثيرة، فمثل هذا الإنسان حينما يرتكب المحرم في حال الإضطرار فهو يعلم بأنّه غيرُ معذَّبٍ قطعاً ولكنَّ الذي يضايقه ويؤذيه إنّما هو عذاب الفراق عن المولى الحاصلٌ على أيِّ تقدير وهذه النار(أعني نار الفراق) أشدّ عليه من نار جهنم فهي ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ﴾(الهمزة/6،7).
ومن هنا نستنتج أنّه لا يوجد أي تباين بين الفقه والعرفان بل هناك علاقة وثيقة بينهما فالفقيه كل الفقيه هو الذى ينظر إلى الشريعة من منظار العقيدة والأخلاق لأن قوانين الإسلام ليست كالقوانين المدنيَّة الجافَّة التي لا تمتلك الروح والمعنى وإنّما هي نتيجة طبيعيَّة للمعرفة القلبيَّة وأثر مباشر للعشق بالله سبحانه وتعالى.
الثورة الإسلامية المباركة:
إنّ الثورة الإسلامية المباركة هي من أهمّ ثمرات رؤية الإمام الخميني للتكاليف الإلهيّضة، فهي لم تثمر إلا بعد الايمان بأن التكليف الالهي ينبغى أن يكون هو الغاية مهما اختلفت نتائجها الظاهرية حيث أن النتائج الماديه بل التربوية والإجتماعية فى قاموس الإمام الخمينى لا تعدّ نتائج وغايات، والغاية القصوى تكمن في شيء واحد فقط وهو. رضى الله سبحانه وتعالى، قال الإمام قدس سرُّه.(كلنا مأمورون بأداء التكليف والوظائف المحولة ولسنا مأمورين بالنتيجة ) وقال.(لا ينبغى أن نفكر في الهزيمة ولا نشغل بالنا بها بل ينبغى أن نفكر في اداء التكليف) (سواء متنا أو غلبنا فقد عملنا بتكليفنا).
وأمّا الإنتصار الظاهرى فليس هو إلا ثمرة دنيوية يحبُّها الناس كما قال تعالى: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ﴾(الصف/13). وأما النصر الواقعى لا يعنى إلاّ ثبات القدم والإستمرار في العمل بالتكليف أعني الجهاد في سبيل الله كما قال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾(محمد/7). فتثبيت القدم هو الإنتصار الحقيقي فى منطق القرآن، ومن الطبيعى أن مثل هذا الانسان المجاهد فى سبيل الله يعيش مطمئن القلب سواء غلب العدو ظاهراً أو لم يغلبه.
فيجب على الإنسان أن يُلقى كلَّ ثقله على التكليف الإلهي ويفكِّر في أداء الإمانة الإلهيَّة سواء أدَّى الآخرون تكاليفهم أم لا قال تعالى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً﴾(النساء/84). وبذلك ورغم قلة عِدَّته وعُدَّته سوف يرهب عدوّ الله. ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ..﴾(الأنفال/60). وهذا هو الأمر المؤكَّد عليه في أدعيتنا وبالخصوص في قول الإمام الصادق عليه السلام: (حسبى الرب من المربوبين وحسبى الخالق من المخلوقين وحسبى الرازق من المرزوقين وحسبى الله رب العالمين حسبى من هو حسبى حسبى من لم يزل حسبى حسبى الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) بحار الأنوار ج 47 ص 162 روايه 2 باب 6.
ونلِّخص الفكرة في كلمة واحدة وهي أنَّ الإستراتيجيَّة إنما هي للتكليف ليس إلاّ بلغ ما بلغ وإن اختلف التكتيك والأسلوب.
هذا وللموضوع ثمرات كثيرة جدّا مثل بطلان نظريَّة المرحليَّة في العمل الذي تتبناه بعض الأحزاب الإسلامية لا مجال للحديث عنها في هذا المختصر.
* ولاية الفقيه
انطلاقاً من هذا الرؤية لا يحق للفقيه أن يتخلّى عن المسئولية بمجرد احتمال عدم القدرة على اسقاط النظام الديكتاتوري، حتّى لو كان هذا الإحتمال قوّياً مادام لم يبلغ حدّ اليقين الموجب للعذر، حيث أنه بمجرد احتمال عدم القدرة لم يسقط التكليف من على عاتقه، فلابد من أن يسعى وراء ذلك ويُقدم على الجهاد وحده ويحرّض المجتمع عليه بلغ ما بلغ كما قال تعالى لرسوله(ص) ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً﴾(النساء/84). فلو تمكن من الإستيلاء على الحكم وتطبيق الشريعة الإسلامية فنعمّا هي، وإلا فهو المنتصر حقّاً لأنّه بذلك قد اكتسب الأجر الجزيل وهو رضى الله تعالى، فمادام التكاليف هي الغاية القصوى للعمل وهي الأمانة الإلهية التي لابد من أدائها وهي لا تتغير ولا تتبدل مهما تبدّلت الظروف قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة) وسائل الشيعه، ج 18 ص 124باب 12، حديث 47.
فلا بدّ للأمّة أن تبذل قصارى جهدها في تطبيق التكاليف الإلهيَّة وذلك من خلال انتخاب فقيه يمتلك المواصفات التّي ذكرها الإمام الحسن العسكري في حديثه المشهور (فاما من كان من الفقها صائنا لنفسه، حافظا لدينه،مخالفا لهواه، مطيعا لامر مولاه، فللعوام ان يقلدوه "سفينة البحار مادة فقه") فيترأس هذه المسيرة الوعرة ويخلّص الأمّة من الأمواج الخطيرة لينجيها من الشتات ويوصلها إلى ساحل النجاة، ولقد شاهدنا هذه الحقيقة رأي العين قد سطعت من تلك الشمس المشرقة التي طلعت من المغرب وانتشر نورها حتى شمل كلّ المستضعفين لتخرجهم من ظلمات الإستبداد إلى نور الحرية، وها نحن محظوظون بقيادة خلفه الإمام السيد عليٍّ الخامنئي فهو الماسك زمام أمور الأمّة بكل صلابة وآخذ للكتاب بكلّ قوّة وفقنا الله تعالى للسير على خطاه والإنتهاج بنهجه إلى أن يسلّم راية الإسلام إلى صاحبها ولي الله الأعظم أرواحنا له الفداء إنّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً والحمد لله ربّ العالمين.
احدث الاخبار
العميد جلالي: بنيتنا التحتية الصاروخية تحت الأرض سليمة ولم تمس
برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام
خطيب جمعة طهران: صمود المقاومة الإسلامية هو ثمرة التأسي بمدرسة القرآن الكريم
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية