ذكريات مشرقة في لقاء مع سماحة آية الله السيد محمد البجنوردي
التاريخ: 07-10-2007
ذكريات مشرقة في لقاء مع سماحة آية الله السيد محمد البجنوردي بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة: على مدى عقود من الزمن وهو العمر المبارك للإمام الراحل مرت الكثير من الشخصيات به بعضهم مكث طويلاً معه إلى أن أسلم الروح بارئها وبعضهم لم يبق سوى يوماً أو بعض يوم
ذكريات مشرقة في لقاء مع سماحة آية الله السيد محمد البجنوردي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
على مدى عقود من الزمن وهو العمر المبارك للإمام الراحل مرت الكثير من الشخصيات به بعضهم مكث طويلاً معه إلى أن أسلم الروح بارئها وبعضهم لم يبق سوى يوماً أو بعض يوم.
وكل واحد من تلك الشخصيات وجدت ما بحثت عنه في (روح الله) فصارت تروج لأزهارها وورودها التي اقتطفتها من تلك الجنة الفواحة.
في هذا اللقاء الذي أجرته صحيفة كيهان الفارسية في العدد 17677مع سماحة آية الله السيد محمد بن العالم الكبير آية الله العظمى الميرزا حسن البجنوردي، يضعنا أمام لوحة فنية مشرقة أخرى من حياة ذلك العظيم فينقل سماحة السيد ما شاهده ـ من رأى ليس كمن سمع ـ على مدى 25 سنة وإن كان ركز جُلّ حديثه في دفع تهمة طالما روج لها من لا دين له ولا عقل وهي تدخل الآخرين في قرارات الإمام بمعنى سلب الاختيار والإرادة منه لا بمعنى?وبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه?
وإليكم نص الحوار مع حذف سؤال وجواب يتعلق بشكل كامل بشخصية سماحة المرحوم آية الله السيد مصطفى الخميني رحمه الله والذي له مكان آخر في الموقع سنضعه فيه إنشاء الله.
س ـ بعد تقديم الشكر لسماحتكم على المشاركة في هذه المقابلة سيكون سؤالنا الأول هو عن بداية تعرفكم على الإمام الخميني رحمه الله واستمرار هذه العلاقة معه كيف تم ذلك؟
ج ـ معرفتي بالإمام الخميني رحمه الله بدأت منذ طفولتي وكانت بذرتها العلاقة الوثيقة بين أبي ـ آية الله العظمى الميرزا حسن البجنوردي ـ مع الإمام، حيث إن الإمام رحمه الله وعندما كان في الثانية والعشرين من عمره زار النجف الأشرف ومكث هناك شهراً كاملاً, حيث تعرف على أبي الذي كان يكبره بثمان سنوات من خلال التقائهما في أحد الأيام بمنزل الحاج نصر الله خلخالي والذي أصبح فيما بعد وكيلاً للإمام في النجف وبدأت العلاقة بين أبي والإمام والاستئناس بينهما في تلك الجلسة لكونهما مهتمين بالفلسفة والعرفان إضافة للفقه والأصول، وقد نقل لي الإمام رحمه الله أن أبي كان يذهب إليه في ذلك السفر ويمكث معه حتى الساعة الثالثة فجر يتباحثان في المسائل العلمية.
أما أنا فإضافة إلى ما سمعته من أبي في مدح الإمام الخميني فإنني سافرت إلى قم في عام 1341هجري شمسي ( 1963م ) حيث كان عمري 21 سنة وتشرفت بزيارة الإمام وثم الحضور في درسه في الفقه والأصول وقد جذبتني بشدة مبانيه الفقهية والأصولية، وبعد حادثة 15 خرداد واعتقال الإمام ومن ثم إطلاق سراحه كان لي سفر أيضاً إلى قم فتشرفت بزيارته والسلام عليه وكنت ضيفاً عنده بسبب الصداقة التي بيني وبين السيد مصطفى ابن الإمام...
في ربيع عام 1344هـ.ش ( 1966م ) علمت أن الإمام قد سافر من منفاه في تركيا إلى العراق وانه حالياً بمدينة الكاظمين عليهم السلام فبادرت وبسرعة للالتحاق به وذهبت معه إلى سامراء للزيارة ثم إلى كربلاء حيث جرى له استقبال واسع ومن ثم ذهبنا إلى النجف حيث أقيم أيضاً احتفال كبير لأول مرة يجري في النجف بهذا الحجم واشترك فيه جميع الطبقات ومختلف الأصناف، والملفت للأمر أن الإمام عليه الرحمة بادر ومن اليوم الثاني لوصوله النجف إلى الشروع في التدريس والبحث وكان محور بحثه في كتاب البيع والخيارات مما يكشف عن الاهتمام البالغ الذي يوليه الإمام للجانب العلمي، وقد استمر هذا البحث اثنا عشر عاماً وبعدها بحث الإمام موضوع (الخلل في الصلاة) لمدة سنتين وقد اشتركت في هذين الدرسين طول أربعة عشر عاماً لما وجدت فيه من النكات الجديدة والإبداعات المبتكرة التي لم أجدها في دروس أخرى.
س ـ ما هي الأبعاد السلوكية التي لفتت نظرك أثناء تتلمذك على يد الإمام أكثر من غيرها؟
ج ـ بغض النظر عن الابتكارات الفقهية والأصولية لدى الإمام، إلا أنني رأيت أن الاتجاه الأخلاقي لديه عملي ومؤثر جداً.
أحياناً يقوم الإنسان بتدريس المفاهيم الأخلاقية وبأسلوب مرتب لطلابه ومع أن هذا الأسلوب يعلم المستمعين الأخلاق إلا أنه ليس معلوماً أنهم يصبحون أخلاقيين من خلال هذا الأسلوب.
وأحياناً أخرى ومن خلال الصحبة فقط مع أصحاب الملكات الأخلاقية يجد الإنسان نفسه شيئاً فشيئاً قد اتجه في المسار الصحيح من هذه الناحية أنا ومن خلال تواجدي 14 عاماً مع الإمام في النجف لاحظت هذا البعد حيث تنتقل الفضائل الأخلاقية من الإمام إلى طلابه من خلال أعمال الإمام وسلوكياته فبعد العشرة معه تجد نفسك بشكل طبيعي وغير محسوس قد أصبحت السيطرة على الأهواء النفسانية من قبيل الابتعاد عن الغيبة والافتراء والكذب ملكه في نفسك، وهذا معنى الحديث (كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم) هذه القدرة التي كان يتحلى بها الإمام والتي كانت بحق أوقع في النفوس من المراقبات والرياضات الأخلاقية نشأت لديه أثناء سنوات الشباب عندما أهتم بهذا الجانب ولقد أعانته هذه الملكات الروحية والأخلاقية التي تحلى بها كثيرً في إدارة الثورة، فمثلاً عدم الخوف مطلقاً في مقابل العدو والتي هي من الصفات البارزة في شخصيته كانت ناشئة من اعتقاده الراسخ بأن (لا مؤثر في الوجود إلا الله) . وبانتقال هذه الروحية لأنصار الإمام والمحيطين به صار من السهل عليهم الصمود وعدم التراجع أمام الصعاب والعقبات.
وأتذكر هنا أنه في الأيام الأولى لاستقرار الإمام عليه الرحمة في النجف وفي أحد المجالس ذكر للمرحوم والدي أن مكان نفيه في تركيا كان عبارة عن بقايا جزيرة قد أتت عليها المياه العميقة من كل جانب..
فقال له الوالد: ألم تخف أن يقوم الجلاوزة الذين كانوا معك برميك في الماء وإغراقك.
فرد عليه الإمام: أبداً لم يكن ذاك شيء مهم.
ثم أضاف: في الليلة التي اعتقلوني في قم وأرسلوني إلى طهران وبينما نحن في الطريق تغير مسير السيارة التي كنت فيها واتجهت وسط الصحراء إلى جهة غير معلومة عندها أحسست أن لدى هؤلاء أمراً بتصفيتي جسدياً في وسط الطريق وفي هذه اللحظة راجعت نفسي وسألتها: يا ترى هل دخل شيء من الخوف في قلبي؟ إلا إنني وجدت الجواب حينها أنني لم أخف قط.
هذه الروحية بقيت تلازم الإمام عليه الرحمة إلى آخر حياته ولكن بشكل أتم وأكمل مثلاً في بداية الحرب المفروضة أصبح فضاء المنطقة التي يسكنها الإمام في جمران محلاً لجولان الطائرات الحربية العراقية ومع ذلك فإن الإمام لم يتحرك أبداً من مكانه الذي هو فيه بجانب النوافذ الزجاجية الخطرة بل إنه لم يطفأ مصباح غرفته طوال الليل في حين أن الكثيرين، بادروا إلى النزول في الأقبية، وهذه الحالة من عدم الخوف وباقي الملكات الروحية والأخلاقية معلولة لبناء الذات والمجاهدات الأخلاقية التي تربى عليها خلال سنوات متمادية.
س ـ لقد قيل الكثير عن الطريقة التي تعاملت الحوزة في النجف الأشرف بها مع الإمام الخميني فيا حبذا أن تحدثونا عن ذلك بصفتكم أحد الذين رافقوا الإمام هناك ولديكم الكثير في هذا الشأن؟
ج ـ يجب أن أذكر هنا أنه وللأسف الشديد أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية استطاعت أن تنفذ في حوزة النجف وبعض بيوت المراجع، طبعاً بعض المراجع الذين وصلت الاستخبارات إلى بيوتهم لم يكن لديهم أي مشكلة مع الإمام الخميني بل حتى أن بعضهم كانت له صداقة مع الإمام ومن له معلومات عن المرجعية وما يدور حولها يعلم أن ليس كل ما يحدث في البيوت هو بإرادة واختيار شخص المرجع.
على كل حال فإن استخبارات الشاه ومن خلال بعض الأشخاص المسالمين للشاه المتنفذين في بيوت المراجع عملت على أن يبقى الإمام الخميني في حوزة النجف الأشرف غريباً حتى توحي للآخرين أن الإمام ليس شخصاً محترماً من قبل الحوزة هناك.
إلا أن هذه المؤامرة والى حد بعيد فشلت على أيدي العلماء الذين كانت لهم علاقة بالإمام عليه الرحمة ولهم اطلاع على مقامه العلمي الشامخ.
مثلاً المرحوم والدي والذي كان من علماء النجف الكبار عندما علم بهذه المؤامرة بادر إلى الحديث عن فضائل الإمام وخصائصه العلمية في مختلف المجالس ولهذا أصبح والدي مغضوباً عليه من قبل الاستخبارات الشاهنشاهية وعملائهم في النجف، وكذلك بعض طلاب الإمام ومن ضمنهم أنا كنا نتحدث عن إبداعات الإمام العلمية ونستشهد بها في المحافل العلمية فأصبحنا أيضاً غير محبوبين عند أولئك، وبصورة إجمالية كان لهذه الأمور اثر في إحباط تلك المؤامرة لذا فإن مجموعة من الطلاب المجدين الذي لهم الاستعداد لتعقيب دقائق المسائل العلمية ويجيدون اللغة الفارسية اتجهوا نحو درس الإمام عليه الرحمة وإذا نظر أحد الحضور في درسه وجدهم من الطلاب الشباب الذين يسعون بجد لنيل درجة الاجتهاد, ولم يكن هناك مكان للبطالين الذين يريدون بحضورهم في الدروس الأخرى تمضية الوقت فقط.
وبحمد الله فإنه ورغم العقبات والعوائق المصطنعة التي وضعت في طريق الإمام عليه الرحمة في النجف إلا أنه كان موفقاً سواء في التدريس أو التأليف. لقد كان برنامجه هكذا:
إعطاء درس قبل الظهر وكتابة نفس الدرس بعد الظهر وهذه الطريقة أدت إلى دقة كبيرة في المطالب وما بأيدينا اليوم من كتب البيع والخيارات والخلل في الصلاة هي نتيجة لتلك الأيام.
س ـ بالطبع أنتم مطلعون على ما يتردد في الآونة الأخيرة من قبل بعض الذين أبعدهم الإمام أو من تخلى عن الثورة أن القرارات التي صدرت في السنوات الأخيرة لعمر الإمام لم تكن من تصميمه بل كانت بسبب تأثير المحيطين به وخاصة ابنه المرحوم السيد أحمد وهؤلاء يريدون أن يصوروا للآخرين أن قرارات الإمام خاضعة لتقارير أحادية الجانب أي أن الذين يوصلون الأخبار للإمام كانوا أصحاب اتجاه سياسي معين فما هو نظركم بصفتكم أحد المقربين من الإمام بهذا الادعاء؟
ج ـ إنني أحد الذين عايشوا الإمام طيلة 25 سنة سواء في النجف أم باريس وقم وثم طهران ولي صلة قرابة بالإمام أنفي بشكل قاطع هذا الاتهام، أما عن سؤالكم فأنا اقسمه إلى فرعين الأول عن تأثره بالمحيطين به بشكل عام والآخر عن تأثره بابنه المرحوم السيد أحمد.
أما بخصوص القسم الأول فأنقل لكم هذه الحادثة:
قبل حوالي 32 سنة قرر حزب البعث الحاكم إخراج الإيرانيين من العراق ولو نفذ هذا القرار بشكل تام فإن الحوزة في النجف ستتلاشى, في ذلك الوقت كان السيد الخوئي في لندن بعنوان العلاج والمرحوم السيد الشاهرودي وبسبب تقدم السن كان من ناحية عملية جليس الدار ولا يستطيع عمل شيء فلم يبق حينها غير الإمام عليه الرحمة عندها أنذر الإمام حزب البعث أنه إن لم يتوقف هذا الأمر خلال 24 ساعة فإنه سيخرج من العراق، فوقع البعثيون الذين يعلمون قاطعية الإمام وإرادته في ورطة, وقرروا التحدث مع الإمام بهذا الشأن من خلال المرحوم والدي الذي تربطه علاقة قوية بالإمام ( حتى يصرفه عن تنفيذ تهديده هذا) لذا أرسلوا له مبعوثا من بغداد وبعد ساعتين من المغرب أرسلني والدي إلى حرم الإمام علي (عليه السلام) لأن عادة الإمام التواجد هناك في ذلك الوقت للزيارة وقال لي ابلغ السيد الخميني أن يمهل البعثيين عدة أيام لأن خروجه من النجف سيضعف الحوزة العلمية.
ذهبت إلى الحرم وبعد الزيارة وعند مشاهدتي للإمام وهو يخرج من الحرم تبعته وعندما رآني وبما أنه لا يرتاح أن يمشي أحد خلفه، قال لي هل هناك أمر مهم؟
قلت له: نعم لدي رسالة من والدي
قال تعال معي: وبعد وصولنا للمنزل قال لي قل ما عندك, فأخبرته بما أمرني به والدي.
فقال لي أبلغ سلامي للوالد وقل له إن فلان يتمنى عليكم أن لا تتدخلوا في هذا الأمر فإن استجاب هؤلاء للتهديد فبها ونعمت و إلا فسأريهم مالا يعلمون أخره.
فذهبت إلى أبي وأخبرته الأمر فقال: أصبح معلوماً أن السيد الخميني رأى بأن حزب البعث لا يواجه إلاّ بهذه الشدة وأنا سأمتثل أمره ولن أتدخل في هذا الأمر، بعد ذلك أرسل صدام والذي كان حينها نائب الرئيس _إلا أن الأمور كلها بيده لا بيد أحمد حسن البكر_ أرسل مبعوثا خاصا إلى الإمام وهو شيعي كردي اسمه علي رضا من أجل التباحث في هذا الموضوع، وصل هذا المبعوث إلى بيت الإمام ودخل إلى مجلسه إلاّ أن الإمام لم يفسح له مكاناً للجلوس ولم يتحرك من مكانه ولم يبدي له أي اهتمام مع أن الإمام وبمجرد دخول طالب علم إلى المجلس بعد دخول هذا المبعوث يقوم له احتراما وإجلالاً وعندما حاول مبعوث صدام أن يتحدث لم يدعه الإمام بل منعه من خلال تكرار قوله وبصوت عال بان آخر كلامي هو ما أعلنته إن لم توقفوا إخراج الطلاب من النجف فسأذهب إلى بيروت وإن منعتموني فسأعلن للعالم أنكم تسجنونني في بيتي، عندها خرج هذا المبعوث إلى بغداد ليعُلن أن الإخراج سيتوقف، وفي الحقيقة فإن حفظ حوزة النجف كان بسبب هذا الموقف والتهديد الذي قام به الإمام رغم كل الجفاء الذي كان يمارسه البعض تجاه الإمام رحمه الله.
مقصودي من ذكر هذه الحادثة ليس إلاّ إثبات أن لا أحد يستطيع التأثير على الإمام رحمه الله في قراراته ولو كان لأحد تأثير لكان لوالدي الذي تربطه مع الإمام صداقة, كما أن عمره ستين عاما, وتربطه به علاقة نسبية.
إن أكثر ما يروج له هؤلاء أن الإمام وخاصة في السنوات الأخيرة من عمره كان يسكن في منطقة صغيرة والذين يستطيعون الوصول إليه هم أفراد قليلون ولديهم توجه خاص في النظر للقضايا التي تحدث وبالتالي ستكون قرارات الإمام ناتجة عن نظرات وتوجهات هؤلاء؟
إن هذا الإدعاء باطل أيضا أنا أحد الذين كانوا يوصلون الأخبار إلى الإمام رحمه الله وهناك آخرون كثر كان لهم نفس الدور وهم ينتمون إلى اتجاهات سياسية وفكرية مختلفة بل إن بعضهم يقع مع ما أتبناه من فكر في النقطة المقابلة تماماً ولذا أراه أحيانا مطلع بالكامل على استدلال من يختلفون معي في التفكير حول نقطة معينة وهذا يعني أن أحدا ما قد أبلغه بهذا الأمر، بالطبع وبرغم اعتماده علي في هذا المجال إلاّ أنه يتأنى كثيراً في القبول وكثير ما كان يخاطبني هل أنت مطمئن, ألم تشتبه في هذا النقل.. إلاّ أنه بعد أن يطمأن بما نقل يقبل ذلك أضف إلى ذلك إطلاعه المباشر على جميع الصحف والتقارير الخبرية المختلفة واستماعه لمختلف الإذاعات الأجنبية فكيف يصح تأثره بالمحيطين به مع ما لديه من الجرائد ذات الاتجاهات المختلفة أما ما يتعلق بعدم تأثر الإمام رحمه الله من ابنه المرحوم السيد أحمد فأذكر لكم هذه الحادثة التي وقعت في الأيام الأولى لرحيل السيد مصطفى نجل الإمام الأكبر رحمهما الله حيث قال لي السيد أحمد ( اليوم استدعاني الإمام وبلسان قاطع وصريح قالي لي: إياك أن تتصور انه وبرحيل أخيك أصبحت الآمر الناهي في البيت والمكتب وتستطيع أن تعمل ما تشتهي، إن أخيك مع ماله من المكانة الرفيعة لم يكن يشرب الماء من دون استئذاني وأنت أيضا عليك أن تعلم أنك لا تستطيع فعل شيء من دون إذني...) وهذه الوصية سار عليها سماحة السيد أحمد وقد سمعت مراراً من الإمام يقول إنني اعتقد أن السيد أحمد عادلاً وصادقاً لأنه مر بالكثير من الامتحانات وفعلاً كان صاحب دقة في نقل ما يريده الإمام للأجهزة المختلفة وقد شاهدت ذلك بنفسي حتى عندما يكون بيان الإمام الذي يحمله السيد أحمد مضراً بأصدقائه والمنتمين لخطه وتوجهه.
س ـ يدعي بعض الأشخاص أن بيانات السنوات الأخيرة كبيان إيقاف الحرب وذكرى مجزرة مكة كانت من كتابات السيد أحمد.
ج ـ هذا كذب محض ويمكن كشف ذلك عند مقارنة ما كتبه السيد أحمد مع هذه البيانات ليعلم الفارق الكبير بينها, ولقد كنت شاهداً على كتابه الكثير من بياناته ورغم تقدم سنه وضعفه في السنين الأخيرة إلاّ أنه كان يمكث أحيانا ثلاثة أو أربعة أيام لكتابة أحد البيانات, إن ما شاهدته أن الإمام حينما يشعر بأن عليه أن يصدر بياناً فإنه لا يتردد في ذلك مهما كان حتى وإن كان وضعه الصحي لا يساعد على ذلك، وأتذكر هنا أنه عندما سمع وهو في النجف بالحوادث الدامية في تبريز وذلك بمناسبة مرور أربعين يوما على استشهاد المتظاهرين في قم, ارتفعت حرارته وأصبح مريضاً إلاّ أنه كتب بيانا بهذه المناسبة،
طبعاً هو ذكر في وصيته أن جميع بياناته كانت صادرة منه وكتبها بيده ولقد كانت من خصائصه عليه الرحمة اكتشاف كذب المتكلم من أول لحظات حديثه مما يجعل الكذب عليه صعباً جداً.
س ـ ما هي الخصائص الذاتية التي جعلت الإمام عليه الرحمة يتمتع بهذه النظرة الثاقبة تجاه الأشخاص والاتجاهات؟
ج ـ إنه سؤال جيد في اعتقادي هناك خصلتان جعلت الإمام يتحلى بهذه القدرة.
الأولى: التقوى والمراقبة الأخلاقية المستمرة والتي توصل الإنسان إلى مرتبة (ينظر بنور الله)،
الثانية: الذكاء والفطنة والتي لم أشاهدها إلاّ في القليل من العلماء والمراجع ويحضرني هنا حادثة معينة في النجف وهي في يوم من الأيام وبعد انتهاء درس الإمام أخذني المرحوم السيد مصطفى جانبا وقال لي بأن هناك شخصاً يحضر درس الإمام يأتي إلى المسجد أول الناس ويخرج آخر الناس ومنذ يومين أصبح لدي شك بأنه عميلاً لجهاز استخبارات الشاه من أجل مراقبة الحضور في درس الإمام، وفي الليل ذهبت إلى الإمام وأخبرته بذلك فقال لي الإمام: منذ متى وأنتم تعرفون هذا الشخص.
فقلت له منذ يوم أو يومين
فضحك الإمام وقال: أنا أعرفه منذ أربعة أشهر وقد حصل لي ما يقرب من اليقين أنه عميل ولكني لم أتحدث حتى لا يبدله جهاز الاستخبارات بشخص آخر قد لا نعرفه بصورة سريعة فلا تهتموا لذلك ودعوه يحضر الدرس.
الحادثة الأخرى التي أتذكرها والتي تنبأ عن هاتين الخصلتين لدي, حصلت في باريس عندما كنت في أحد الأيام مغادراً الفندق صباحاً لأتجه إلى مقر إقامة الإمام في نوفل لوشاتو, شاهدت أحد أصحاب دور النشر البيروتية والذي أعرفه بشكل إجمالي ترافقه إحدى النساء متوسطة العمر فقلت لهما هل تريدان إجراء حوار فقالت المرأة لا لم نأت لهذا الأمر وإنما لأمر آخر شغل فكري وأريد أن أسألك عنه.
إنني من أهالي باريس وديني هو اليهودية وزوجي حاخام يهودي، ونحن نريد معرفة النشاطات التي يقوم بها آية الله الخميني لذلك قررنا أن انتحل شخصية صحفية هولندية وأجري لقاءاً معه أحصل منه على ما أريد وقد قام الدكتور يزدي بتعيين وقتٍ لهذا اللقاء، وهو يوم أمس إلاّ أن آية الله وبمجرد دخولي غرفته قال إنني لن أجيب على أسئلتها, فحاول الدكتور يزدي إقناعه وقال له إنها صحفية وقد أتت من هولندا لهذا الأمر فقال له آية الله لا هي ليست صحفية ولن أجيب على أسئلتها فأعتذر الدكتور يزدي وقال لي إنه عندما يرفض أي عمل لا يمكن ثنيه عن ذلك.. وأضافت إنني متحيرة ومستغربة من كيفية معرفته بحقيقة هويتي وماذا كنت أقصد مع أن هذا الأمر لا يعلم به سواي وزوجي فهل لديه أجهزة استخبارات قوية لهذه الدرجة؟!
فقلت لها: في النهاية أنت يهودية وتؤمنين بوجود الله ويمكنك تفهم الإمدادات الإلهية في حياة البشر والتي تؤثر في معرفة الأشخاص واكتشاف حقيقتهم أضف إلى ذلك فإنه يتمتع بذهن وقاّد يساعده في معرفة حقائق الأشخاص إلاّ أنها لم تأخذ كلامي على محمل الجد وذهبت.
فذهبت إلى مقر الإمام وبعد صلاتي المغرب والعشاء تحدثت مع الإمام حول الأمر وقلت له لقد أتت امرأة صحفية من هولندا إليكم وقبل إكمال جملتي رد عليّ نعم ولكنها ليست صحفية أصلا فقلت له أنت تعلم أنها من باريس ويهودية فقال: ظاهراً، فقلت: أنت تعلم أيضا أن زوجها حاخام يهودي، فقال ظاهراً، فتعجبت من ذلك وأحسست أنه يحبذ أن لا أكرر السؤال حول مصدر معرفته بذلك ولكني علمت أن إقناعه بما يخالف الواقع إن لم يكن مستحيلا فهو من الصعوبة بمكان كذلك وفي أوج الاختلاف بين بني صدر والشهيد بهشتي كان بني صدر يتظاهر في أعماله وتصرفاته وكأنه يحظى بتأييد الإمام وكنت حينها أخاف من أن يقوم بني صدر بالكذب حينما يخبر الإمام بما يقع.
وفي أحد الأيام قلت للإمام إن بعض الأشخاص _لم أذكر اسم بني صدر لأنه لا يسمح أبداً باغتياب أحد في محضره_ ليسوا صادقين ونحن نخشى أن تصدقوهم يوما ما فيما يقولونه لكم ومن ثم ترتبون أثراً, بعد الاستماع لكلامي توجه إليّ قائلاً:
سأقول لكم شيئاً يجعلكم ترتاحون: إنني وبمجرد أن يفتح احدٌ فاه للحديث أستطيع أن أميز إن كان صادقاً فيما يقول أم كاذباً، إلاّ أنني عملياً أجعله يتصور إنني اصدق ما يقول، لذا لا تقلقون من هذه المسألة.
س ـ لقد كنتم سماحة السيد عضواً في مجلس القضاء الأعلى، أثناء حياة الإمام رحمه الله ولابد أن لكم ذكريات فيما يرتبط بعملكم وتعامل الإمام مع القضاء حبذا لو تحدثونا عن هذا الأمر؟
ج ـ في هذا المجال لدي بعض الذكريات وهي ليست مقتصرة على فترة تحملي المسؤولية بل تتعداها إلى أبعد من ذلك وهنا يجب أن أذكر بعض النكات المهمة:
الأولى: غلبة جانب العفو والرحمة على جانب الشدة والانتقام ففي أول لقاء به عقب وصوله إلى قم بعيد انتصار الثورة ووصولي من النجف وقبل أن يسألني عن أحوالي قال لي ( اذهب وابحث لي عن دليل شرعي لأني أريد أن أعلن العفو العام ) فذكرت حادثة عفو رسول الله صلى الله عليه وآله عن مشركي مكة يوم الفتح حيث قال ( كل دم في الجاهلية تحت قدمي هاتين ) وقلت له بما أنك تؤمن بولاية الفقيه المطلقة تستطيع من خلال هذه المسألة أن تعلن العفو العام, فقال لي يجب أن أتأمل أكثر في هذه المسألة وبعد ذلك بيوم أعلن العفو العام باستثناء القتلة والذين مارسوا التعذيب, النكتة الأخرى هي إن عداوة أي شخص أو مؤسسة له لا تجعله يخرج عن التعامل بالعدل والإنصاف, أتذكر أن مراسل جريدة السفير اللبنانية سأله في باريس عندما تنتصرون في ثورتكم فما هو العقاب الذي ستنزلونه بالشاه ؟ فأجابه الإمام: إن اقل عقوبة يمكن أن يحكم بها هو السجن مدى الحياة. بعد أن قرأت المقابلة سألته مستغربا كيف تقولون بهذا الحكم لمثل هذا المجرم الخائن فأجابني ( إن ما هو ثابت لدي لحد الآن أنه الآمر بالقتل وهذا جزائه) طبعاً هذا الحكم هو تجاه تهمة الأمر بالقتل أما الجرائم الأخرى فلها عقوبات أخرى.
برغم ما ذكرته فإن أكثر شيء كان يسلب الراحة من باله ويجعله مضطرباً هو سماعه خبراً ما عن مخالفه للشرع تقع في هذه المؤسسة أو تلك الإدارة وقبل دخوله المستشفى لإجراء العملية الجراحية بأيام قمت بزيارته وقلت له رغم تأكيدكم المكرر على رعاية الموازين الشرعية فإنه ويا للأسف ما زالت بعض المحاكم تصدر أحكاما تخالف الشرع بشكل تام وهذا لا يليق بمنزلة وشأن السلطة القضائية في الجمهورية الإسلامية.
فأنزعج كثيراً وأمرني بمتابعة الأمر ولم يكتف بذلك بل نادى سماحة السيد أحمد وقال له انظر ماذا يقول السيد البجنوردي يجب عليك متابعة الموضوع حتى لا يقع ما يخالف الشرع.
وأختتم بهذه النكتة المهمة وهي أننا ومتى بقينا على التزامنا بالمعايير الشرعية فإن الألطاف الإلهية الخفية ستشملنا وإنه متى ما ابتعدنا عن تنفيذ ما أراده الشارع لا سمح الله فإننا سنسقط ونضمحل والعياذ بالله.
احدث الاخبار
العميد جلالي: بنيتنا التحتية الصاروخية تحت الأرض سليمة ولم تمس
برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام
خطيب جمعة طهران: صمود المقاومة الإسلامية هو ثمرة التأسي بمدرسة القرآن الكريم
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية